كيف قام فلكي كويتي بتشكيك العالم الإسلامي بثبوت هلال العيد؟

رغم أن اثنتا عشرة دولة عربية أثبتت رؤية هلال شوال يوم الإثنين ليلة الثلاثاء؛ فلا زال بعض من يُسمَّوْن "فلكيون عرب" يكذِّبون كل هذه الدول وهيئاتها العلمية والفلكية، ويتهمونها بخداع شعوبها وتلاعبها بصيامهم. 

ومن هذه الدول المتّـهَمة في نظر من "يسمُّون أنفسهم فلكيين" (موريتانيا والجزائر والسعودية وقطر والكويت والبحرين والإمارات العربية واليمن والعراق ممثلة بالوقف السني وجزر القمر وجيبوتي).

كان من أبرز من أثار فتنة التشكيك هذه وتطاوَل على من أثبت عيد الفطر يوم الثلاثاء فلكِي كويتي يدعى "عادل السعدون" وتبعه في ذلك عوام ومثقفون من الناس، وقد احتج السعدون لكلامه بتوقيع عشرين فلكيا مثله على بيان ينص على استحالة رؤية هلال شوال ليلة الثلاثاء على حد قوله.

وقد ذكرني احتجاجه بتوقيع هذا العدد من الفلكيين قصة مضحكة مبكية سمعتها من أحد أساتذتي الجامعيين، وكان عضوا في أحد المجمعات العلمية العربية، قال حدَث في مُجمعنا أن قام واحد من المختصين أو اثنان بتحضير بيان أو دراسة علمية، ثم عرضت على بعض أعضاء المركز فقرؤوها ووقعوا عليها ثقة بمن بحث وكتب دون تدقيق أو مراجعة، ثم عرضت على آخرين فوقعوا عليها دون قراءتها أصلا ثقة بمن سبقهم بالتوقيع، وهكذا صدر بيان علمي بتوقيع ما يقارب الثلاثين عضوا، بينما لم يشارك في البيان أو الدراسة إلا شخص أو شخصان بحسب الواقع، وقد تكرر ذلك مرارا.

إن ما ذكره أستاذنا الجامعي صورة مصغرة عن واقع كثير من مراكز البحث العلمي في بلادنا العربية، ولا أظن الدراسة التي احتج بها السعدون وأصدقاؤه إلا من هذا القبيل، إذ كذبها واقع الرؤية في بلاد عدة وفي مناطق شتى.

#صورة_الهلال:

إن ما ترونه في هذه الصورة هو هلال الليلة الثالثة من شهر شوال، التقطتُها يوم الأربعاء مساء في الثاني من شهر شوال بكاميرا الهاتف المحمول في مدينة أضنا التركية، وكان ذلك في الساعة الثامنة وواحد وخمسين دقيقة (8.51)، مساء الخامس من حزيران 2019م بالقرب من قاعدة إنجرليك الأمريكية.

اُلتقِطت هذه الصورة بعد غياب الشمس بـ 56 دقيقة، ولا زال أمام الهلال بحسب الأرصاد وحسابات الفلك في تركيا ساعة وأحد عشرة دقيقة حتى يغيب، لتكون مدة ظهوره (127) دقيقة في هذه الليلة.

إن كلَّ من اعتاد مراقبة القمر والاهتمام به بالنظر إلى شكله ومدة ظهوره في السماء يدرك أن هذا الهلال ابن ثلاثة أيام ويستحيل أن يكون ابن يومين.. وبربكم أيها الناس هل من عادة هلال ابن يومين أن يكون بهذا الارتفاع وأن يمكث ربع الليل تقريبا في السماء لا يغادرها؟

إن ارتفاع الهلال الليلة ومدة ظهوره الطويلة (127 دقيقة) ترجح إمكانية رؤيته في يوم الإثنين ليلة الثلاثاء؛ في حين يصر على استحالتها من يفترض بهم أن يكونوا أكثر دقة في مسائل الفلك.

#شروط_رؤية_الهلال:

يقول العلماء إن لرؤية الهلال في ليلته الأولى شروطا منها:

1- أن يكون غروب القمر بعد غروب الشمس.

2* وأن يمكث القمر فوق الأفق الغربي بعد غروب الشمس لمدة لا تقل عن نصف ساعة قبل أن يغيب.

وبناء على ما سبق فإن غروب القمر بعد الشمس بأقل من نصف ساعة يمنع المراقبين من رؤية الهلال.

وقد صرح السعدون في لقائه مع قناة العربية يوم الإثنين في الثالث من شهر حزيران: بأن هلال شوال لهذه السنة عام 1440 هـ 2019 م سوف يغيب بعد غروب الشمس بدقيقتين فقط، بينما خالفه الفلكي السعودي ملهم هندي وقال بل يغيب بعدها بست دقائق، وبهذا ينتقض شرط "الثلاثين دقيقة" وبالتالي تستحيل رؤية الهلال يوم الإثنين ليلة الثلاثاء، وعليه يستحيل أن يكون العيد يوم الثلاثاء استنادا إلى الرؤية المجردة.

وكلامهم هذا خالفهم فيه خبراء فلكيون آخرون في بلاد الخليج حيث أثبتوا إمكانية الرؤية، وخطؤوا من ادعى استحالتها ومنهم الفلكي السعودي الدكتور خالد صالح الزعاق، وهذا يدل على عدم اتفاق الفلكيين أصلا في هذه المسألة، كما يؤكد عدم دقة البيانات التي استند إليها السعدون ومن معه.

وعندما أثبتت دول عربية كثيرة الثلاثاء غرة شهر شوال "عيد الفطر" اعتمادا على رؤية الهلال، غضب السعدون وأصدقاؤه الفلكيون واعتبروا إثبات العيد جريمة في حق العلم، قال السعدون: (ازدراء العلم مشكلة كبيرة، هناك عشرون فلكيًا من مختلف الدول العربية أصدروا بيانا من المركز الدولي لعلوم الفلك وقالوا إن الهلال لن يُرى، وبالتالي نسمع أن أحدا رأى الهلال، يعني 20 فلكيًا غير من لم يَنزلوا في الإعلان وكثيرون غيرهم كلامهم كله راح بوش؟).

ومع استمرار الرجل بتشكيك الناس بصيامهم محتجا بتوقيع عشرين فلكيا عربيا؛ قام العضو في مجلس الأمة الكويتي النائب "وليد الطبطبائي" بدعوة "السعدون" إلى السكوت والكف عن إثارة البلبلات قائلا في تغريدة له على تويتر:

(أستاذ عادل السعدون - أيا كان مذهبه - أن يقول رأيه الفلكي بتجرد في رؤية الهلال ويخالفه من هو أعلم منه فهو أمر مقبول، لكن بعد ثبوت الرؤية الشرعية وإفطار أكثر من عشر دول، لا سيما المعتبر هو الرؤية وليس الحساب الفلكي!! ثم يصر هو على تشكيك المسلمين بصيامهم!! أمر لا يجوز السكوت عنه).

وقد اعتبر السعدون كلام الطبطبائي إهانة للعلم وحَمَلتِه "يقصد نفسه" وطالبه بالاعتذار.

وأما من شهد على رؤية الهلال بعينيه في هذه الدول الاثنتي عشرة فقد قال عنهم "السعدون" : (الذين شهدوا برؤية الهلال إما متوهمون أو مزورون للحقيقة، والله سيحاسبهم على هذه الشهادة، وفي ذمتهم الملايين من المسلمين) ولم يكتف السعدون بتكذيب هذه الدول وهيئاتها الشرعية والفلكية كلها استنادا إلى حسابات البيان التي لا نعلم صحتها من خطئها؛ حتى طالب بغرور بالغ ألا يتدخل العلماء بأمور لا يعلمونها ولا يفقهونها.

#ولي_هنا_وقفات:

الأولى: يعجب الإنسان من جرأة فلكي مجهول على تكذيب دول شتى وهيئات فلكية وشرعية مختلفة في الشرق والغرب بحجة العلم وحرية التعبير، مع أن فلكيين آخرين في بلاد شتى قد خطؤوا ادعاءاته.

الثانية: بدأنا نعتاد انزلاق الإعلام العربي في حوادث شتى، وفي هذه الواقعة انساقت مواقع إخبارية كثيرة خلف دعاوي السعدون وأمثاله، وساهمت في إشعال الفتنة بين الناس دون تثبت.

الثالثة: ثبت بالحساب الفلكي باتفاق أن يوم الثلاثاء هو يوم ولادة هلال شوال، والحساب معتبر عند جمع من الأئمة المجتهدين، ومع هذا يصر هؤلاء المشككون على أن رعايا هذه الدول قد نقصت يوما من رمضان وعليها القضاء. وعلى فرض صدقهم -الذي لا يؤيده الواقع- فإن صيام الناس صحيح على مذهب من اعتبر الحساب.. ولا قضاء عليهم، بل إن الحاكم إن قرر إثبات العيد بالحساب الموثوق وجب على الناس طاعته للخلاف السائغ في هذه المسألة.

الرابعة: إن إنكارنا هنا على ما صدر من هذا الإنسان وأضرابه؛ ليس إنكارا لدقة علم الفلك بحساب منازل القمر أو الشمس، فكبار علماء الأمة يعتقدون دقة الحساب اليوم، ويأخذ به الكثيرون منهم وخاصة إذا أيدته المراصد الفلكية، فقول النبي صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) عام في تحري الرؤية، ووسائلها تختلف من زمان إلى آخر، ولا يوجد نص على الاقتصار على العين المجردة، لنجزم بخطأ من يعتمد الحساب أو الرؤية الفلكية.

الخامسة: يحتج من ينكر إثبات العيد يوم الثلاثاء بدقة الحسابات الفلكية. وهنا أتساءل إن كنتم تجزمون بدقتها وصدقها، وهي قد أثبتت ولادة هلال شوال يوم الثلاثاء مع عدم إمكان الرؤية، فلم لا توافقون الحسابات في وجوب إعلان العيد؟ أم أن الاجتزاء والتلفيق هو الأفضل في ذلك؟ إذ تحتجون علينا بحسابات الفلك في عدم إمكان الرؤية، ثم ترفضون الأخذ بنفس هذه الحسابات التي تخبركم بأن الثلاثاء بداية شوال.. حقا إن هذا لشيء عجاب، إذ يصدق الإنسان الشيء ويرفض الأخذ بمقتضى تصديقه في آن واحد. 

إن الإنكار هنا مقتصر على أشخاص أخطؤوا في دراستهم أو كانت نتئج دراستهم ظنية غير ملزمة، ومع هذا فقد تجاوزوا حدود اللياقة والحرية والعلم، وهم مطالبون بمراجعة تصريحاتهم والاعتذار عنها لأنها خلاف الواقع، وقد سببت أضرارا بالغة للمجتمعات ما كان أغنانا عنها.

#نصيحة لشعوبنا:

على شعوبنا العربية أن تكون أكثر دقة في التعامل مع أمثال هذه الوقائع، وعليها ألا تنساق خلف من يبغي الشائعات وتشكيك الناس بصيامهم، فإن اختلاف المطالع حق، وقد اعتبره الشرع، وبناء عليه قد يختلف العيد، أما أن يظهر مجهولون يبغون الشهرة أو لا يعرفون كيف يحققون ما يقولون ويتطاولون على الأمة؛ فهذا أمر لا يجوز السكوت عنه، وكان الأحرى بالهيئة الشرعية في دولة الكويت أن ترفع دعوى على هكذا أشخاص يثيرون الفتن وتعقد لهم محكمة تستقصي فيها مزاعمهم، وتصدر بيانا بنتيجة التحقيق -سواء كانت معهم أو ضدهم- بدل الفوضى بدعوى الحرية والبحث العلمي.

#بارقة أمل:

على إثر الخلاف الذي وقع السنة في تحديد هلال شوال، انتشر تصريح للدكتور ياسين مليكي المسؤول الفلكي السعودي يفيد بصدور قرار بناء مرصد فلكي إسلامي متطور في مكة يتم من خلاله رصد هلال رمضان والعيد خصوصا وأهلة الأشهر الهجرية عموما اعتبارا من السنة القادمة، وسيكون موضعه برج الساعة.

وإن فكرة بناء مرصد فلكي إسلامي مشترك مركزه مكة كانت عبارة عن مشروع قدمه أستاذنا العلامة الدكتور محمد فاروق النبهان إلى رابطة العالم الإسلامي قبل عقود، بهدف توحيد إعلان رمضان والعيد في العالم الإسلامي، وقد تمت الموافقة على مشروعه في المؤتمر الذي طرح فيه ولكن السياسيين رفضوه وأعاقوا العمل عليه.

وقد شرط الدكتور لنجاح المشروع أمرين:

الأول: أن يكون المرصد المركزي وفروعه التي ستبنى في بقاع شتى بإدارة علماء وخبراء فلك وممثلين عن كل دول العالم الإسلامي، ولا يكون بإدارة دولة دون أخرى.

الثاني: أن يتمتع المسؤولون عن المركز باستقلالية تامة، فلا يكون للسعودية أي سلطة سياسية عليهم.

وإن الإخلال بواحد من الشرطين التاليين يعني تلقائيا فشل المشروع التي أعلنت عنه السعودية مجددا.

والله نسأل أن يجمع كلمة المسلمين على البر والتقوى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين