( إلى الذين يقولون : كنا عايشين )
حدثني أبو عابدين
مختار قرية الصابرين ،
وهو يذرف الدمع السخين
فقال : في أحد أيام الشتاء
نزل علينا البلاء
إذ حضر إلى قريتنا أبو قنوع
رئيس مخفر تل المفجوع
و أحاطت به العساكر من كل جانب ،
فظننا أنهم جيش من الأجانب ،
أتانا يقاتل ويحارب .
فنادى في غلظة وخشونة ؛
أين المختار ابن الملعونة ،
فقلت : يا سيدي ! لم يسبق أن كلمني أحد بهذه الألفاظ ،
فغضب واغتاظ
وقال : ترد وتتآمر على حكومة الثورة ،
وتعترض وبضائع التهريب عندكم منتشرة ؟!
ثم حملق وزمجر
و كأنه غضنفر ،
فدفعني بقوة وانفعال
ثم رفسني برجله كما ترفس البغال
ولكمني وقال :
على من تعتمد
حتى ترد وتعترض ...
أخرجوا ما لديكم من ممنوعات
وإلا فعلت بكم المحرمات ،
والتفت إلى أحد المزارعين
وقال : يالعين ابن اللعين
هل ما قاله مختاركم من أقوال الصادقين ؟
فخاف المسكين
وكان في بيته كيسان من الطحين
اشتراهما من أحد السائقين
فقال: نعم يا سيد العارفين !
و لكن ألا يمكن أن نتفق
و أنت إنسان لـَبــِق ،
ورئيس مخفر حذق ....
فقلب شفتيه ،
وبرم شاربيه ،
ورفع حاجبيه ، وهو يقول :
كل شيء ممكن و مقبول ،
ما دمت تفهم علينا ما نقول ..
فقلت : يا حضرة الرقيب
أنت رجل لبيب ،
فما رأيك بالقهوة مع الحليب ؟
و أن تستريح ريثما نجهز الغداء ،
ونتكلم بعيدا عن أعين الجهلاء ؟!
فهمهم وقال :
لا بأس على كل حال .
فأسرع بعض الأعوان ،
إلى طرف البستان
و أحضروا تيسا ً رضيعا ً،
فذبحوه وطبخوه سريعا ً،
فلما أكل و أكلوا
ومما لدينا نهلوا
قال : وما أخبار ذوات الريش ،
فنحن جاهزون للتفتيش ؟
فقلت : وضعنا في السيارة خمسة ديوك
- لا عاش عاذلوك -
وسبع دجاجات
– رَحِم الله مَن خلـَّفك ومات -
وكيسا ًمن الحنطة ،
وأوزة وبطة.
فأخذته العزة والغبطة ،
وشعرنا بالخلاص من هذه الورطة
فقال : وهو يتجشأ :
مبادئ حزبنا فوق كل مبدأ ،
نحن في خدمة الشعب الكادح ،
ومن أجلكم قامت الثورة تكافح !
فقلت له : وأنا أهتف بحياة القائد والثورة ،
وأهمس في حسرة
لا أرانا الله وجهك غير هذه المرة ،
مرددا ً بيتا ً من الشعر
وأنا أكاد أتمزق من القهر:
غيرُ مأسوفٍ على زمن
ينقضي بالهَمّ والحزَن ِ
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول