قصيدة منتشرة في ثناياها أمور مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعائشة رضي الله عنهما

ينتشر في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل مقطع : تلقي فيه السيدة المهندسة سيرين حمشو قصيدة تتضمن قصةً في السيرة النبوية صيغت بأسلوب شعري وأدبي ، تتحدث عن خلاف حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة رضي الله عنها ، ثم دخول سيدنا أبي بكر الصديق لحلِّ ذلك الخلاف .

وقبل كل شيء لابد من التأكيد على أن صياغة مواقف نبوية وأحداثاً في السيرة النبوية بأسلوب شعري ونثر أدبي لا مانع منه ، ومكتبتنا الإسلامية زاخرة بالقصائد والملاحم الشعرية والنثرية التي نقلت لنا أحداث السيرة النبوية بكل أمانة وانضباط مثل قصيدة " الهمزية في مدح خير البرية" لشرف الدين البوصيري صاحب قصيدة "البردة" ، وقصيدة "طيبة الغراء في مدح سيد الأنبياء" للشيخ يوسف النبهاني وغيرهما .

وهذه الأعمال الأدبية مشروطة بعدم التقول على النبي صلى الله عليه وسلم بكلام لم يصدر عنه وإلا فإن هذا يدخل في الوعيد الذي قاله فيه صلى الله عليه وسلم : 

( إِنَّ كَذِباً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدِكُمْ ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) .

وكذلك مشروطة بعدم التزيد على الصحابة الكرام ، بالإضافة إلى عدم اختراع مواقف من نسج الخيال ليست موجودة في جميع الروايات التي نقلت لنا القصة ، إلا أننا لا نجد هذه الشروط متحققة في القصيدة التي ألقتها السيدة سيرين حمشو .

وعندما نبيِّنُ مثل هذه الأخطاء العلمية لا نريد التشكيك بالنوايا الحسنة والدوافع الطيبة التي تهدف من خلالها السيدة سيرين إيصال المعاني التربوية بأسلوب مؤثر وجميل ، ولا نريد كذلك الطعن بأحد على الإطلاق ، وإنما الهدف هو تحري الدقة في نقل كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم اختراع أمور لا أصل لها .

وهذه بعض الملاحظات على تلك القصيدة :

1- في مطلع القصيدة تقول أن مصدر القصة هو مسند الإمام أحمد بن حنبل فتقول : 

 روى الإمام أحمد بن حنبل..... في المسند الموثق المسلسل 

وعندما مقارنة الرواية التي رواها الإمام أحمد مع ما جاء في القصيدة نجد بوناً شاسعاً ، بل إن كثيراً من أبياتها جاءت من نسج خيال ناظمها، وهذا يعتبر كذب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعائشة رضي الله عنهما 

وهذا نص الرواية التي رواها الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه : 

"عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ : يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ ! وَتَنَاوَلَهَا ، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ! قَالَ : فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا : أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ قَالَ : ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا . قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا"

2- وهذا بعض ما جاء في القصيدة وهي غير موجودة في جميع الروايات التي نقلت القصة ، حتى هذه الرواية الضعيفة المنكرة فإنها خالية من هذه الزيادات منها :

( وطال هجري 

والنبي صابر 

والصلح خير من خصام واهي

قالت معاذ الله بل ارضى القدر

وهل ندعو عثمان ؟ قالت ومن يدريه ماذا كانا

وهل أدعو علياً : قالت أعوذ ان تك تقياً

وقامت الفتاة وقالت : أعرض عن اللجاج ، وقل صوابا واتق الخلاق ، وأحذر فإني أكره الشقاق .

أقسمت عليك بالله جاهدا دعها فإن كنت فيها شاهداً ، واترك أمر الخصام بيننا نقضيه صلحاً تحت سقف بيتنا

فانتبذت منه على شقاق 

فابتسم النبي ثم قال : سبحان من يغير الأحوالا، قد كان ظهري حصنك الحصينا ، والآن أدعوك فلا ترضينا ، 

قال أبو بكر أتيت بعدها يأكل من خبز يدها ... وقلت والعتاب في عيوني : ألم أكن دعيت للخصام ، فكيف لا أدعى إلى الطعام ؟؟

وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أهلا سيد القضاة ، ومصلح الأزواج والزوجات ، أنت لنا في الحرب والسلام ، رفيق البدء والختام ) :

وهذه الأمور المذكورة في القصيدة فيها منكرات وزيادات شنيعة :

أ- إعراض السيدة عائشة رضي الله عنها حينما يدعوها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعود يراها، أي خلق وتصرف للزوجة الصالحة مع خير البشر صلى الله عليه وسلم؟ !!

ب- طال هجرها والنبي صلى الله عليه وسلم صابر، ما هذا وأين ورد هذا؟ 

ج- توجيه اتهامات خارجة عن الأدب في حق النبي صلى الله عليه وسلم يستحيل أن تكون صادرة عن السيدة عائشة رضي الله عنها مثل : اللجاج والشقاق .

د- الكلام غير اللائق في خيرة الصحابة رضي الله عنهم :

ففي عمر تقول: معاذ الله بل أرضى القدر.

وفي عثمان: عثمان وما يدريه.

وفي علي : أعوذ إن تك تقيا...

هـ - وهذا الكلام الأخير الطويل الموجود في آخر القصيدة الذي وجهه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لا يوجد في جميع الروايات 

وهذه هي الروايات المعتمدة المذكورة في هذه القصة، بالإضافة لراية الإمام أحمد وأبي داود :

1- روى النسائي السنن الكبرى عن النعمان بن بشير قال : استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم (فسمع صوت ) عائشة عاليا وهي تقول : والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي فأهوى إليها أبو بكر ليلطمها وقال : يا ابنة فلانة أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر مغضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة كيف رأيت أنقذتك من الرجل ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك وقد أصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقال أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في الحرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلنا 

2- رواية الخطيب البغدادي و أبي عمر بن حيويه : 

عن عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : " أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامٌ ، فَقَالَ لَهَا : ( مَنْ تَرْضَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ ؟ أَتَرْضَيْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ؟ ) ، " قَالَتْ : لا أَرْضَاهُ ؛ عُمَرُ غَلِيظٌ ، فَقَالَ : ( أَتَرْضَيْنَ بِأَبِيكِ بَيْنِي وَبَيْنِكِ ؟ ) ، قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : ( وَإِنَّ هَذِهِ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا ، وَمِنْ أَمْرِهَا كَذَا ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا ، قَالَتْ : فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ ، فَرَثَمَ بِهِ أَنْفَهَا ، وَقَالَ : أَنْتِ لا أُمَّ لَكِ ، يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ تَقُولِينَ الْحَقَّ وَأَبُوكِ ، وَلَا يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَتْ : فَابْتَدَرَتْ مِنْخَرَاهَا كَأَنَّهَا غَزْلا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( الْبَيْتَ ) ، وَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِهَا ، فَقَامَتْ هَارِبَةً مِنْهُ ، فَلَزِقَتْ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ ، لَمَّا خَرَجْتَ ، فَإِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِهَذَا ) ، فَلَمَّا خَرَجَ قَامَتْ فَتَنَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهَا : ( ادْنُ مِنِّي ) ، فَأَبَتْ أَنْ تَفْعَلَ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا : ( لَقَدْ كُنْتِ قَبْلَ هَذَا شَدِيدَةَ اللُّزُوقِ بِظَهْرِي ) " 

وهو حديث منكر ، لأن عبد الوارث بن سعيد لم يسمع من عائشة رضي الله عنها حتى يقول : حدثتني عائشة . فهو من أتباع التابعين ، إنما روايته عن التابعين أمثال عبد العزيز بن صهيب وشعيب بن الحبحاب وأبي التياح وابن أبي عروبة ، وكانت وفاته سنة 180هـ ، أما عائشة رضي الله عنها فتوفيت سنة 58 هـ

انظر : "تهذيب التهذيب" (12/ 436)

فبين وفاتيهما 121 عاما .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين