مطبخ عالمي لتقديم شوربة دينية

على مدار التاريخ .. لم يتوقف أعداء الحق عن التآمر ضد الدين عامة، وضد الإسلام والمسلمين خاصة، وقد انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية رائحة مؤامرة جديدة تستهدف فتنة المسلمين عن دينهم !

متأسلمون ينخرطون في المؤامرة :

ومما يؤلم في هذه المؤامرة أن يشارك فيها بعض المتأسلمين؛ منهم عضو البرلمان الهولندي "أيان حرسي علي" وهي امرأة صومالية الأصل حظيت في الغرب باهتمام خاص لانتقادها الدين الإسلامي، ونشاطها في الحركة النسائية لتحرير المرأة المسلمة حسب زعمها، ففي محاضرة لها في اجتماع حاشد للمنصرين المسيحيين في هولندا لفتت هذه الحاقدة نظر الحاضرين إلى ضرورة البحث عن طرق جديدة لتنصير المسلمين، دون تعريض المسلم للظهور بمظهر المرتد عن دينه .

وهكذا بدأ الباحثون عن طريقة تحقق هذا الهدف الخبيث فوجدوه عند البهائي المصري "رشاد خليفة" الذي اشتهر في ثمانينات القرن الماضي ببدعة "الرقم 19"، الذي أسس في نهاية الثمانينات منظمة "المستسلمين المتحدين الدولية" تحت شعار "دين واحد جامع" وتقول المنظمة في شرح فكرتها "نحن نعتقد أن الاستسلام للرب جوهرة ثمينة، لكنها ضائعة تحت ركام من البدع، وهدفنا هو التخلص من هذه البدع بالتمسك فقط بالاستسلام للرب الذي هو جوهر كل دين، وهذا ما يدعونا إلى الاتحاد تحت مظلة دين عالمي واحد !

وهكذا وجد أعداء الدين إحدى الطرق التي تحدثت عنها أيان حرسي من أجل فتنة الناس عن دينهم !

وبهذا يعد رشاد خليفة كبيرهم الذي علمهم السحر، بفكرة صهر الأديان جميعاً في دين واحد عنوانه (المستسلمون) وهي نفس الدعوة التي صار يروج لها اليوم عدد من أدعياء التجديد والتنوير العرب، منهم السوري "محمد شحرور" الذي زعم أن "هناك مسلم مؤمن، ومسلم يهودي، ومسلم مسيحي، ومسلم شنتو، ومسلم بوذي..." ومنهم كذلك السوري "محمد حبش" الذي تبنى الدعوة وانطلق يروج لها بغباء منقطع النظير، تحت عناوين براقة، مثل "أديان بلا حدود" و "إخاء الأديان وكرامة الإنسان" و "دين بين الأديان وليس ديناً فوق الأديان" وهي عناوين تنطوي على نفس فكرة رشاد خليفة وأضرابه ممن يروجون لدعوة الدين العالمي الواحد !

دعوة قديمة متجددة :

وهذه الدعوة إلى توحيد كل الأديان في دين عالمي واحد هي دعوة قديمة سبق إليها مشركو مكة عندما عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمن بدينهم بشرط أن يؤمن هو بدينهم، فنزل قوله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" سورة الكافرون، وحذره أشد التحذير فقال تعالى : "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * فَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" سورة المائدة 49 و 50 ، لكن للأسف مازال لهذه الدعوة المتهافتة أتباع ومروجون من أدعياء التجديد والتنوير المغرضين المحاربين لدين الله بدعوى التنوير !

وتكمن خطورة هذه الدعوة في دعمها الدولي مالياً وإعلامياً ورسمياً، من ذلك مثلاً الاجتماع الحاشد الذي عقد 1893 في مدينة شيكاغو الأمريكية بمشاركة (400 رجل دين) يمثلون 41 دين ومذهب من أجل هذه الغاية، وقد وردت الإشارة إلى هذا المؤتمر في كتاب "أصول الحركة الدينية الصوفية" (the downing of the theosophical movement) لمؤلفه مايكل جيمس <Michael games> الذي ذكر في الصفحة 17 : أن هذا المؤتمر العظيم قد أسس لمعنى عظيم، وذكر المؤلف إلى "ضرورة اجتماع يضم كبار الشخصيات وممثلي كل الأديان في العالم لكي يشكلوا أخوية مشتركة، تعبر فيها كل ديانة عن نفسها، وتجمع الكل في صلاة واحدة ، يؤمها مرة أسقف مسيحي، ومرة حاخام يهودي ومرة راهب بوذي ..." !

وهكذا ..

نرى أن فكرة تأسيس دين عالمي واحد هي دعوة قديمة لكنها مازالت تظهر إلى السطح بين حين وآخر، تحت شعارات ودعاوى ومسميات مختلفة، ففي يوم 26 تموز/يوليو 2000 ظهرت "مبادرة الأديان المتحدة" برئاسة الأسقف الأمريكي <ويليام سوينج> .

وفي يوم 28 آب/أغسطس من نفس العام نظمت الأمم المتحدة "اجتماع الألفية للسلام العالمي" بهدف تأسيس منظمة دينية عالمية واحدة، تتكلم بصوت واحد، وبهذا جعلت الأمم المتحدة من نفسها مطبخاً رسمياً لتحضير هذه الطبخة التي بدأت بقرع الطبول والصلوات وترانيم دينية تمثل مختلف الأديان التي فقدت لونها وطعمها وظهرت في صورة "شوربة دينية" كما وصفتها مراسلة (CBN) الأمريكية التي حضرت لتغطية الاجتماع !

وقد حضر الاجتماع <روبرت ماك جينز> رئيس مركز أبحاث الأسرة في الولايات المتحدة الذي لخص في كلمته أهداف هذا الاجتماع، بتوحيد العالم تحت مظلة دينية واحدة، تجعل الناس يتقبلون أهداف الأمم المتحدة التي تعارضها الأديان، مثل تحديد النسل، وحق الإجهاض، والشذوذ الجنسي .. وقد أعرب المذكور عن سعادته بهذه الخطوة لتأسيس حكومة عالمية واحدة، تحل محل كل الآلهة، وتتولى التشريع عن الرب !

أما مؤسس شبكة (CNN) الملياردير الأمريكي <تيد تيرنر> الذي كان الداعم الأول للاجتماع، فقد بشر في كلمته بولادة (عصر جديد) عنوانه الإيمان بأن هناك طرقاً عديدة لدخول الجنة، لا طريقة واحدة كما يدعي أتباع كل دين، وهذه هي نفس النغمة التي يدندن عليها "محمد شحرور" و "محمد حبش" و "حسن حنفي" و "يوسف زيدان" وأضرابهم من أدعياء التجديد والتنوير العرب ! 

واضح إذن .. أن مبادرة الأديان الموحدة التي يزعم أربابها أنها ليست ديناً، إنما هي في حقيقتها دين يبشر بتعاليم دينية جديدة تريد نسف كل الأديان !

وهذه البدعة المنكرة ليست الطريقة الوحيدة لفتنة الناس عن دينهم كما أشارت الصومالية أيان حرسي، فمازال أعداء الدين يعملون لابتداع طرائق أخرى لتحقيق هذا الغرض الخبيث .. مما يوجب على المؤمنين الاستعداد لمواجهة الموجات القادمة بما يفشلها، ويكشف ما فيها من أباطيل .

مع الأخذ بعين الاعتبار أن وراء هذه الدعوات المشبوهة آلة إعلامية جبارة تروج للفكرة على المستوى العالمي، وقيادات دينية عالمية مثل "بابا الفاتيكان" المقدس عند النصارى، و "دلاي لاما" المقدس عند البوذيين، وغيرهم من أعداء التوحيد الخالص !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين