الجوائح في الإسلام (8) غلاء العراق

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم.

حل ببغداد وكل العراق في سنتي (517-518هـ/1123-1124م) غلاء شديد، وعم القحط والجدب. حتى بلغت قيمة كارة الخشكار ستة دنانير وعشرة قراريط. وتبع ذلك موت كثير، وتفشت الأمراض بين الناس، وهلك في هذه السنتين الآلاف من الناس، واستمرت هذه الحالة حتى سنة (519هـ/1125م).

الغلاء العام

تزايدت الأسعار في سنة (542هـ/1147م) حتى بلغ الكر الشعير أربعين ديناراً والكر الحنطة ثمانين ديناراً، وأغلقت الدكاكين، وعدم الخبز أربعة أيام.

واشتد الغلاء بإفريقية، وهلك بسببه أكثر الناس حتى دخلت المنازل، وأقفلت المعاقل. وعظم الأمر على أهل البلاد حتى أكل بعضهم بعضاً، وقصد أهل البوادي المدن من الجوع، وتبعها موت كثير حتى خلت البلاد، وكان أهل البيت لا يبقى منهم أحد.

غلاء مصر

غلت الأسعار وعدمت الأقوات في بلاد مصر سنة (596هـ/1199م)، مما نتج عنه هلاك الناس عامة لا تفريق بين غني وفقير، وأخذ أهل مصر يفرون إلى بلاد الشام من الجوع، فلم يصل منهم إليها إلا القليل، وتخطفتهم الفرنجة من الطرقات وعزروا بهم بالقليل من الأقوات ثم كانوا يقتلونهم.

وامتد هذا الغلاء وهذه المجاعة إلى السنة القابلة بديار مصر، فهلك خلق كثير جداً من الفقراء والأغنياء، ثم أعقب ذلك فناء عظيم، حتى حكى (الشيخ أبو شامة): أن العادل كفن من ماله في مدة شهر من هذه السنة نحو مئتين وعشرين ألف ميت، وأُكلت الكلاب والميتات بمصر، وأُكل من الصغار والأطفال خلق كثير، فقد كان يشوي الصغير والداه ويأكلانه، وكثر هذا في الناس جداً حتى صار لا ينكر بينهم، فلما فرغت الأطفال والميتات غلب القوي الضعيف فذبحه وأكله، وكان الرجل يحتال على الفقير فيأتي به ليطعمه أو ليعطيه شيئاً، ثم يذبحه ويأكله. وكان أحدهم يذبح امرأته ويأكلها، وشاع هذا بينهم بلا إنكار ولا شكوى، بل يعذر بعضهم بعضاً.

ووجد عند أحد الناس أربعمائة رأس، وهلك كثير من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى، فكانوا يذبحون ويؤكلون، كان الرجل يستدعي الطبيب ثم يذبحه ويأكله، وقد استدعى رجل طبيباً حاذقاً، وكان الرجل موسراً من أهل المال، فذهب الطبيب معه على وجل وخوف، فجعل الرجل يتصدق على من لقيه في الطريق ويذكر الله ويسبحه، ويكثر من ذلك، فارتاب به الطبيب وتخيل منه، ومع هذا حمله الطمع على الاستمرار معه حتى دخل داره، فإذا خربة فارتاب الطبيب أيضاً، فخرج صاحبه فقال له: ومع هذا البطء جئت لنا بصيد هزيل، فلما سمعها الطبيب هرب، فخرجا خلفه سراعاً فما خلص منهما إلا بعد جهد جهيد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين