أعلم أن المرأة تحب أن يكون زوجها لها وحدها ، وخاصة من النساء ، فلا ترتاح إذا كان مهتماً بامرأة سواها ، تأخذ من تفكيره ، ووقته ، وحبه ، وماله .
لكن الواقع لا يحقق لها هذا ، فمِنْ حول الرجل كثيرات ينبغي عليه أن يهتم بهن ؛ فيعطيهن من وقته ، وحبه ، وماله ، وتفكيره ، وجهده . وعلى الزوجة أن تدرك هذا ، وتتكيّف معه ، وتقدره ،وتعين زوجها عليه .
في مقدمة هؤلاء النساء اللواتي لا يملك الرجل التخلي عنهن : أمه ، أمه التي حملته في بطنها تسعة أشهر ، وأرضعته ، وربَّته ، ورعته ، وضحَّتْ من أجله حتى صار رجلاً فتزوج امرأة ،فهل يصبح لها ، لهذه الزوجة ، وحدها ، فيهجر أمه التي عملت كثيراً ، وقدمت كثيراً ، وضحت كثيراً ؟!!
وهذا ما يأمر به دينه ، فالله سبحانه يقول: ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير ) لقمان 14 .
ويقول عز وجل: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ، حملته أمه كُرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ، حتى إذا بلغ أشده ، وبلغ أربعين سنة ، قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي ، إني تبت إليك وإني من المسلمين ) الأحقاف 15 .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه بأمه ، كما في قوله لمن سأله عن أحق الناس بصحبته ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ) . وحين سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله؛ من أعظم الناس حقاً على المرأة ؟ قال زوجها ، ثم سألته : من أعظم الناس حقاً على الرجل ؟ فقال : أمه .
إن إدراك المرأة هذا الحق العظيم لأم زوجها عليه ؛ يجعلها معينة له على برِّ أمه ، مذكِّرة له إذا انشغل أو نسي ، فلا تفعل ما قد تفعله بعض الزوجات من تحريضه على أمه ، أو إبعاده عنها ،أو إحساسها بالفرح إذا هجرها وقطعها .
عليها أن تدرك أن أبناءها أيضاً سيكبرون بإذن الله ، وسيتزوَّجون ، وأنها لن ترضى أن يفعلوا بها ما تحرض زوجها على أن يفعله بأمه .
ومن النساء الأخريات في حياة الرجل: أخواته ، فهنَّ من أقرب أرحامه إليه ، وعليه واجبات كثيرة تجاههنَّ ، ولا بد من أن يقوم بها ويؤديها لهن .
وكذلك عليها أن تدرك أن أبناءها سيكبرون ويتزوجون بإذن الله ، وأنها لن ترضى أن تمنعهم زوجاتهم من أن يؤدوا واجبانهم تجاه شقيقاتهم اللواتي هنَّ بناتها .
ومن النساء اللواتي لهنَّ على الرجل حقوق : عمَّاته وخالاته ، وخاصة إن لم يكن لهن أزواج وأبناء ، ولم يكن هناك من أقارب سوى هذا الزوج ، فإن قيام الرجل بحقوقهن قد يجعل زوجته تضيق لأنها ، كما قلت ، تريد زوجها لها وحدها .
وأذكر هنا حديثه صلى الله عليه وسلم الذي يجعل فيه الخالة بمنزلة الأم ، فعن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الخالة بمنزلة الأم ) متفق عليه ، وفي رواية في الصحيح أيضاً: ( الخالة والدة ) .
ومن أقارب الرجل من النساء: جدته ( أم أبيه أو أم أمه ) فلها حق الصلة ، صلة الرحم ، وما تشمله من رحمة ، و برّ ، وإحسان ، وعون .
هؤلاء نساء حول الرجل ، تقل أو تزيد واجباته تجاههنّ ، حسب حاجاتهنّ ، وأحوالهنّ ، وقربهنّ أو بُعدهنّ ، في المكان وغير المكان ، فعلى المرأة أن تقدر انشغال زوجها بهنّ ، واهتمامه بحالهنّ ، وتلبية احتياجاتهنّ .
ولتستحضر ما يأتيه من أجر على ذلك ، ومن رضا ربه سبحانه عنه ، وزيادة رزقه له ، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أن صلة الرحم من أسباب زيادة الرزق ، وهذا كله ستستفيد منه المرأة حين يوفق الله زوجها ، ويرزقه ، ويعينه .
ولا بد من كلمة للزوج أقول له فيها : إن أداءك ما عليك من واجبات تجاه جميع هؤلاء اللواتي أشرت إليهن ، لا يعني أبداً أن تهمل زوجتك ، وتنسى حقوقها الكثيرة عليك ، فواجباتك تجاهها ليست قليلة ، وليست هينة ويسيرة .
وأعلم أن قيامك بجميع تلك الواجبات ، تجاه جميع هؤلاء النساء من حولك ، يُحمِّلك أعباء ثقيلة ، قد لا يكفيها ما تملكه من مال ، وما عندك من وقت ، وما يتوفر لديك من جهد . لكن تذكرك ما يأتيك من أجر ، وثواب ، وفضل ، وعون في الدنيا والآخرة ، يجعلك أقوى ، وأصبر ، وأحرص على مواصلة هذا العطاء وزيادته .
وهذه بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي تبشرك بذلك :
( الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ) متفق عليه .
( من أحب أن يُبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثره ، فليصل رحمه ) متفق عليه .
( هل تُنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ) البخاري .
( رضا الرب في رضا الوالدين ، وسخطه في سخطهما ) صحيح الجامع .
والأحاديث في هذا كثيرة .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول