النزق

حالة سائدة على مستوى السلوك العام في هذه الأيام . تقول العامة : فلان يقاتل ذباب وجهه . ودائما ظننت أن المثل غير موفق لأن ذباب الوجه بالفعل بثير النزق . وإنما سمي الذباب ذُبَابًا لأنه كلما " ذبَّ آب" وذلك لشدة إلحاحه على وجه من امتحن به.

ويكفي أن محنة النمرود - زعموا - إنما كانت في ذبابة دخلت من منخره وظلت تطنّ في رأسه حتى كان يشتهي صفع النعال على رأسه . وأعود إلى موضوع النزق الذي يجعل بعض الناس يبرم بالتحية ، أو يتضجر من البسمة ، أو يستنكر الإشارة ملحًّا على العبارة مع أن قطعي الدلالة ولاسيما في فقه الأحكام هو الأقل في آيات القرآن الكريم . رجعت إلى لعبة ابن دريد وابن فارس وابن جنّي في حكاية الاشتقاق الكبير . وأبدلت مكان النُّون يالزاي فوصلت ألى أن نزق وزنق توأمان . وأن النزق إنما يتولى من عملية الزنق أي الحبس والتضييق والكبت التي يعيشها الفرد والمجتمع والدول على السواء .

وتذكرت حكاية البهلول مع الرشيد، ومعنى البهلول في لغة العرب: السيد ، ومنه كتاب الرسول الكريم إلى أهل اليمن: " إلى الأقيال البهاليل العباهلة ..." وأطلقوها على الرجل نصف نصف على اعتبار البلاهة نصف الحكمة . قال البهلول الرشيد وقد رفع كأس الماء ليشرب : كم تدفع فيها إذا حبست عنك ؟

قال الرشيد : نصف ملكي . قال البهلول: فكم تدفع إذا حبست فيك ؟ قال الرشيد : أدفع ملكي كله . لذلك يقول العامة عن الحابس والحاقن مزنوق ويقول أهل الحكمة لا رأي لحاقن . فكّوا عن الناس زنقاتهم يكفونكم نزقهم وإلا فالنزق محيط بكم وبهم أي بِنَا أجمعين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين