معراج

ربما لو تسنّى لأحد من الخلق أن يعرج إلى السموات العلى، فيقترب من ربه، ويلقى الأنبياء والرسل، وتمتلئ روحُه بالقرب من ربّ العزة، ومن بهاء سدرة المنتهى، ومن صحبة جبريل الأمين، لتمنى أن يبقى هناك، حيث سمو الروح ورفرفة المشاعر وصفاء الحياة ورعشات القلب المحلق.

لكن أشرف الخلق وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم لم يبق هناك حين عرج، ولم يلق رحْلَه ليستريح أبدا عند حضرة ربه، بل تزوَّدت روحه بأكمل الإيمان، وعَمَر قلبه بأكمل القرب والعبوديَّة، ورجع إلى عناء وتعب الأرض ينشر فيها من روحه نسمات الخير، ويقود ضعف الإنسان بقوة الرحمن، ويزيل كدر الحياة بصفو الإيمان، ويصارع الشياطين بزاد الملائكة.

إنها الروح التي ترتقي لتسمو بدناءة الواقع، وترِقُّ لتذيب صلابة الجسد، وتشتعلُ لتضيء ظلمة الطريق.

إنْ فاتنا معراج الجسد فإن معراج الروح في الخلوات والسجدات ما زال متاحًا للقاصدين، لتتفتح الروح كالزهرة المورقة، يشتهي رحيقها وطيبها وجمالها فقراء القرب وعطشى العبودية، فينطلقون نحو الحياة يصلحونها ويعمرونها بالحق والعمل والصالح.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين