الخروجُ من التِّيه (6-6)

مراحل الوصول إلى بوابة الخروج

نتائج البحث:

جاءت شواهد البحث دالَّة على بوابات الخروج من التِّيه، وكانت تبصيرًا لمن أُصيب بعمى الألوان؛ كي يميزَ حملةَ راية تحرير الأرض والبشر والمقدسات عن أدعياء يستعبدون العقول برايات خدَّاعة من هذا القبيل، وإليك أهمّ مراحل الوصول إلى بوابة الخروج:

1_ التقييم المرحلي والتقويم المستمر لمسؤوليات القادة والقاعدة، والغرض منه معرفة الخلل في التخطيط والأداء، وتداركُه بما يُصلحه من جوابر وزواجر، وسَدُّ الثغرات وتعزيزُ الإيجابيات.

2_ إنَّ معاندة السنن الإلهية أو محاولة العبث بسيرورتها هي لغزُ صيرورة القاعدة إلى المجهول، وعلَّةُ إيغالها في ظلمات التيه، وسرُّ إخفاق كلٍّ من القادة والقاعدة في القيام بمسؤولياته، ومن صور العناد أو العبث: تكليف القاعدة بأعمال القادةِ، أو هروب القادة وتصدُّر القاعدة:

(فمن منح الجهال علمًا أضاعَهُ *** ومن منع المستوجبين فقد ظـلم)

3_ المسؤوليات العامَّة يدخل جلُّها في فروضِ الكفايةِ، فمن لم تكن له أهلية توجب عليه أداءَها لم يصحّ القول بأنه غير مكلَّف بها مطلقًا من كل وجه، بل يجب عليه من مقدِّماتها كلُّ ما له طاقة به.

4_ عاقبةُ التخلِّي عن المسؤوليات العامَّة أو ضعفِ الجاهزيةِ والاستعدادِ للنَّوءِ بأعبائها هي: الاستبدالُ كما وقع لجيل التيه، ورفعُ فاعلية الأسباب كما حلَّ بالقوم يوم حنين وقد قالوا: لن نغلب اليوم عن قلة.

5_ جلالة قدر القائد ولو بلغت حدَّ العصمة، وبراهين تأييد الله له ولو خرقت العوائد وعُدَّت من المعجزات: لن تغيِّر من سنة الله في ترتُّب النصر والفرَجِ والتمكين على مدى تحمل المكلَّفين لمسؤولياتهم، ولن تَرفع شيئًا من عواقب النكوص عن القيام بتلك الواجبات. 

6_ السنن الإلهية في التمكين ماضية ولو هلك القادة والقاعدة جميعًا دون أن تتحقق، وهذا ما حلَّ بجيل التيه، هلكت القاعدة، ولحق القادةُ بالرفيق الأعلى، وما زال القوم في مجاهيل التيه سادِرِين، وبيتُ المقدس أسيرًا بيد الجبارين.

7_ أهليةُ فردٍ أو اثنين من القاعدة للتمكين لا تغني عنها شيئًا، والمعوَّل عليه صلاح الأمة وصلاحيتها؛ فما أغنى عن قاعدةِ جيلِ التيه أنْ كان فيهم رجلان صالحان أقدما وحذَّرا القوم من مغبة النكول، ولم يكن موقفهما ليرفع المسؤولية وتبعاتها عنهم.

8_ ثنائية الصلاح والإصلاح الفردي لها ما لها من الأهمية والأثر، فيقوم هذا الفرد بتربية قاعدةٍ تاليةٍ للهالكينَ وإصلاحها؛ حتى تغدو صالحةً أهلًا لتنفيذ ما يُناط بها من مسؤوليات.

9_ القاعدةُ إنْ لم تتغير سِماتها تُغيَّرْ هي ذاتها، أو قل: إنْ لم تُبَدِّلْ أوصافَها تُستبدَلْ ذواتُها.

10_ هلاك القاعدة العاتية يمنع تأثر ذريتها بها، ويمنح عقول النسل الجديد حرية اختيار حقيقية، فيغدو أكثر قابلية لتتكون منه قاعدة مسؤولة مما لو بقي أسير عادات الآباء والأجداد ومعتقداتهم؛ وبهذا يفسَّر الهلاك العامّ للأمم السابقة، وبه يتبين أنَّ التقليد وتمسك الأبناء بما كان عليه الآباء هو أصل الداء في باب المسؤوليات كما شهدت بذلك آيات كثيرة على أمم مضت، وفي الأحاديث الشريفة ما يشهد لتأثير الأبوين على دين الأولاد وفطرتهم وتخليهم عن حملهم لمسؤولياتهم، وحسبكَ شهادةُ الواقع، ففيها دلائل وعبر مشبَعة.

11_ الأصلُ أن تمضي سنن الله في صراع الحقِّ والباطل ما لم تدعُ الضروراتُ لنصرة القادة المعصومين في حالات الصراع على البقاء والفناء؛ أما النصر البارد ففيه تعطيل لتلك السنن.

12_ نصرُ الضروراتِ مصدره ثبات القائد المعصوم ودعاؤه وتضرعه وابتهاله، واستكماله للأسباب المتاحةِ كلها رغم قصورها، ومضيّه قُدُمًا في إعمالها، وقد تجلَّى ذلك كلُّه في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه يوم حنين وندائه للفارين بأحب صفاتهم ومناقبهم ليكروا بعد الفرار.

13_ للقاعدة السلبية تأثير قوي بالغ الأثر رغم التسليم بكمال القيادة، فالقيادة في أعلى رتبها وأكملها لم تكن لتنفعَ بينما القاعدةُ في الحضيض وإن كثرت.

14_ سمو القائد بمعنويات القاعدة وإشادته ببطولات الفدائيين الباذلين لأموالهم وأنفسهم وأوقاتهم له أثر مشهود في قابل الأيام والمشاهد رغمَ الهزيمة، فلا لوم ولا تقريع، ولا همز ولا لمز، بل دأْبُ القائدِ السموُّ بأرواح القاعدة، وجبرُ خواطرها، ورأْبُ صدْعِها، والنهوضُ بمعنوياتها (بل أنتم العكَّارون، بل أنتم الكُرَّار).

15_ التغذية المرتدة من تقويم أداء القاعدة القبليّ والمرحليّ والختاميّ لها ما لها من جليل الأثر، فبها يحصل الاستعداد لما سيكون، والاعتبار بما كان، وتدارك القصور أثناء الأداء، وهذا ما دلَّت عليه مُخرجات التقويم النبوي لأُحُد، وإليها استند حصر المشاركة في حمراء الأسد برجال أحد، وهي نفسها نتائج التقويم الموسوي لجيل التيه بعد عشرات السنين، فقد أظهرت أن لا بد من أن ينقرض هذا الجيل في أربعين سنة على أمل ولادة جيل تحرير بيت المقدس؛ ليتبوَّأ مكانه الذي يليق به، لا سيما أنه جيلٌ اعتَبر بتاريخ أسلافه، ونشأ وترعرع وتربَّى على ما سمع عن القاعدة البائدة من عظات وعبر، حتى جاز القول بأنه قاعدةٌ صُنِعَت على عين النبوة.

والحمد لله رب العالمين {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة التوبة: الآية 105].

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

تنظر الحلقة الخامسة هنا 

=====-

( ) تفسير الطبري (5/ 340-341)

(2) تفسير ابن كثير (1/ 668).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين