الإسلام في أفريقيا (الأخيرة) الشهيد الزاهد محمد بن أحمد بن سهل بن نصر الرملي ابن النابلسي

العبد الصالح الزاهد. كان يرى قتال (العبيديين) واجباً، وكان يقول: لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة وواحداً في الروم.

قال أبو ذر الهروي: أبو بكر النابلسي سجنه بنو عبيد وصلبوه على السنّة، وسمعت الدارقطني يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يسلخ: (كان ذلك في الكتاب مسطورا).

وقال أبو محمد الأكفاني: وفيها - يعني سنة 363هـ/973م - توفي العبد الصالح الزاهد أبو بكر محمد بن أحمد المعروف بابن النابلسي، وكان يرى قتال العبيديين ونهضهم واجباً. وكان قد هرب من (الرملة) إلى (دمشق) فقبض عليه الوالي بها أبو محمود الكتامي صاحب العزيز بدمشق وأخذه وحبسه في شهر رمضان وجعله في قفص خشب وحمله إلى مصر. فلما حصل بمصر قيل له: أنت الذي قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة وواحداً في الروم؟ فاعترف بذلك وقال: قد قلته.

فأمر أبو تميم - المعز لدين الله - بسلخه فسلخ وحشي تبناً وصلب.

وكان من خبر أبي بكر بن النابلسي أن جوهراً القائد لما قدم إلى مصر وبنى القاهرة، جهز القائد جعفر بن فلاح لأخذ الشام فقاتل الحسن بن عبيد الله بن طغج بالرملة وأخذه، وعاثت عساكره فيما هنالك. وتوجه إلى دمشق فقاتله أهلها كما ذكر في خبره.

وصار النابلسي إلى دمشق فراراً من القائد أبي محمود عندما استولى عليها، وقد كان النابلسي قام بالرملة عند ورود القرمطي ودعا إلى قتال المعز. فلما نزل ابو محمود على دمشق لثمان بقين من شهر رمضان سنة (363هـ/973م) قبض ظالم بن موهوب على النابلسي وأخرج به، ومعه أبو المنجى نائب القرمطي على دمشق وولده، إلى أبي محمود فعمل لكل واحد منهم قفص من خشب، وحملهم إلى المعز.

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز لدين الله أبي تميم معد:

ولأربع خلون من ذي القعدة - يعني سنة 363هـ/973/ - وصل ابن النابلسي وأبو المنجى وابنه ونيف وعشرون رجلاً من القرامطة فطيف بهم على الإبل بالبرانس والقيود. وكان ابن النابلسي ببرنس مقيد على جمل وخلفه رجل يمسكه، والناس يسبونه ويشتمونه ويجرون برجله من فوق الجمل، واشتغلوا بسبه عن الذين كانوا معه. فلما فرغ التطواف وردوا إلى القصر، عدل بأبي المنجى وابنه ومن معهما من القرامطة إلى الاعتقال، وعدل بابن النابلسي إلى المنظر ليسلخ. فلما علم بذلك رمى نفسه على حجارة ليموت، فرد وحمل على الجمل، فعاد ورمى نفسه فرد وشد وأسرع به إلى المنظر فسلخ وحشي جلده تبناً، ونصبت جثته وجلده على الخشب عند المنظر.

ويقول ابن الجوزي في منتظمه وهو يتحدث عن المعز أبي تميم:

أحضر يوما أبا بكر النابلسي الزاهد، وكان ينزل الأكواخ من أرض دمشق، فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل المسلم عشرة أسهم وجب أن يرمي الروم سهماً واحداً، وفينا تسعة. فقال: ما قلت هكذا فظن أنه رجع عن قوله، فقال: كيف قلت؟ قال: قلت إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العاشر فيكم أيضاً، فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين وادعيتم نور الإلهية، فأمر حينئذ أن يشهر، فشهر في اليوم الأول وضرب بالسياط في اليوم الثاني، وأخرج في اليوم الثالث فسلخ، سلخه رجل يهودي، وكان يقرأ القرآن ولا يتأوه. قال اليهودي: أيداخلني له رحمة فطعنت بالسكين في فؤاده حتى مات عاجلاً.

وحكى صاحب النابلسي قال: مضيت مستخفياً أول يوم فتراءيت له وهو يشهر، فقلت له: ما هذا؟ فقال: امتحان، فلما كان اليوم الثاني رأيته يضرب فقلت: ما هذا؟ فقال: كفارات. فلما أخرج في اليوم الثالث يسلخ، قلت: ما هذا؟ قال: أرجو أن تكون درجات.

وكان كافور الإخشيدي قد بعث إلى هذا النابلسي بمال فرده وقال للرسول: قل له قال الله: (إياك نعبد وإياك نستعين) والاستعانة به تكفي. فرد كافور الرسول إليه وقال له: اقرأ (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) فأين ذكر كافور هاهنا، وهل المال إلا له. فقال أبو بكر: كافور صوفي لا تمن، فقبله.

وروى الحافظ السلفي عن محمد بن علي الانطاكي قال: سمعت ابن الشعشاع المصري يقول: رأيت أبا بكر النابلسي بعدما قتل، في المنام وهو في أحسن هيئة، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال:

حباني مالكي بدوام عزَ … وواعدني بقرب الانتصــار

وقرّبني وأدناني إليــه … وقال: انعم بعيش في جواري 

رحم الله ابن النابلسي فقد فاقت شجاعته كل شجاعة وهو بحق يمكن أن يطلق عليه اسم (كبير الشهداء).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين