بعدَ أنْ خَبِرْتُ الناس قرابةَ النصف قرن ، وبعد أنْ طحَنَتْني الحياةُ في طواحين التجارب خَلُصَتُ إلى قناعةٍ أحسبها قريبةً من الحقيقة وهي :
إنّ البَشَرَ نوعان ، نوعٌ شيطانيُّ الهوى ، ونوعٌ رحماني الهوى ، والناس في هذين النوعين متدرّجون مابين خفيفٍ ومتوسط وشديد ، فما تعاملتُ مع إنسانٍ شيطاني الهوى إلاّ انتهى معه الأمر إلى شرّ يتجلى بغدرٍ أو أذيّةٍ او خيانةٍ أو عدم وفاء ، مهما ظهر منه من حسن خلق أو طيب معشر ، وما تعاملتُ مع إنسانٍ رحماني الهوى إلاّ وانتهى الأمر معه بحبٍ واحترامٍ ووفاءٍ مهما ظهر منه من مساوئ … والعجيب أنّ الأشخاص الذين ينتمون إلى النوع الشيطاني لا يعيشون سعداء رغم مكاسبهم وانتصاراتهم التي يحققونها بهواهم الشيطانيّ ، فهم يعيشون عقداً نفسيّة تتجلّى في شرودهم الدائم في التفكير في نوازع الشر التي تعتلج قلوبهم ، إذا ضحكوا كان ضحكهم هيستيري ، وإذا غضبوا كان غضبهم فاجراً سفيهاً ، وإذا حزنوا كان حزنهم اكتئاباً ، يدركون أنّ الناس تجاملهم بدافع الظروف ويعلمون أنهم غير محبوبين ، وهذا ما يجعل علاقاتهم على شفير جهنم ، في حين أن الأشخاص الذين ينتمون إلى النوع الرحماني ، فهم سعداء رغم أحزانهم ، يضحكون بصفاء ، ويغضبون بلطف ، يستشعرون محبّةَ الناس حتى الذين يختلفون معهم ، وهذا ما يجعل نفوسهم مستقرةً وعلاقاتهم محفوفةً بالتوفيق والجمال
وأكثر ما يكون الإنسان سوءاً إذا كان من النوع الشيطاني الهوى فرعوني النفس ، فهذا الإنسان إذا امتلك القوّةَ استعبدَ بلا رحمة ، وإذا افتقر إلى القوّة كان كالثور الهائج لا سبيل لإيقافه
وعندما يجتمع الدهاء والهوى الشيطانيّ والنفس الفرعونيّة فنحن أمام كارثةٍ لا يحلّها إلاّ الموت
والله الذي لا إلٰه إلاّ هو ، ما وجدتُ إنساناً شيطانيَّ الهوى إلاّ ورأيتُ شيطانه في كل تفصيلٍ من تفاصيل حياته ، وما وجدتُ إنساناً رحماني الهوى إلاّ ورأيتُ نور الرحمة ينبثق من ثنايا تفاصيل حياته
هنيئاً لمن كان رحمانيّاً وعزاؤنا لمن كان شيطانيّاً ، والحمد لله على وجود الله.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول