لا نحنُ كنوز ولا غيرنا نفايات

هبطت على هاتفي واحدة من تلك الرسائل الطائرة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم ، حيث يرسلها البعض نقلا عن آخرين ، عَنْوَنَها صاحبنا بعنوان : (الرد المُفْحِم من مسلم على هندوسي):

(سأل هندوسي مسلما ؛ لماذا تدفنون موتاكم في التراب ولا تفعلوا مثلنا وتحرقونهم بالنار .؟

فرد عليه المسلم : لأن الحرق للنفايات والدفن للكنوز.!)

هذا هو الرد الذي اعتبره صاحبنا رداً مفحماً ، ولو كان هذا الرد شائعاً في أجدادنا الأوائل الذين دخل أهل جنوب شرق آسيا في دين الله أفواجا على أيديهم ، ما كنا رأينا بينهم اليوم مسلماً واحداً .

ما عَلِمَه الأجداد وجهله بعض الأبناء : أن أصل العلاقة بين البشر هي التعارف .

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .)

والتعارف ضد التناكر والتنابذ ، والتعارف يقتضي كسر القشور والغوص في الأعماق ؛ فالشعوب تتقاذف التهم بعضها ضد بعض في عنصرية مَقيتَة وجهل مُطبِق .

وعند كسر قشور الجهل والعنصرية والغوص في أعماق المعرفة ، تجد الصورة مختلفة ، أو على الأقل تحوي تفاصيل كثيرة تحت هذه الأفكار السطحية .

والقرآن كما وضع المنهج العام للتعارف أعطانا نماذج تفصيلية ؛ ففي نموذج عدم مسارعة ملكة سبأ لقبول دعوة سيدنا "سليمان" يغوص بنا من القشور إلى الأعماق:

( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ .)

يعني لها عذران : الأول ؛ ما ألفته من عبادة قومها (ما كانت تعبد) ، والثاني ؛ تأثير بيئتها الاجتماعية (إنها كانت من قوم كافرين)

فهل نتعامل نحن كذلك مع الناس ، ممن يفصل بيننا حدودا جغرافية أو دينية أو مذهبية أو قومية ، أو حتى بيننا نحن أهل الملة الواحدة .؟!

هل ندرك اختلاف البيئات والثقافات ومألوف العادات وتأثيرها على معتقدات الإنسان وسلوكه .؟

كان المسلمون يدركون ذلك حين كانوا على وعي بدورهم الرسالي ، وقاموا بأكبر نشاط بشري لترجمة الإنتاج العلمي والفكري للأمم ، ولولا هذا الفهم ما انتشر الإسلام على أيديهم في مشارق الأرض ومغاربها .

في نفس هذه البلاد التي يسخر صاحبنا من أهلها ، كنت أزور معبدا هنديا في جزيرة (Elephanta) ، مقابل "مومباي" ، وجدت معبدا مقاما داخل كهوف طبيعية داخل الجزيرة ولفت نظري تحطم بعض أجزاء من التماثيل ، فسألت دليلي السياحي فقال لي : برغم تعاقب الدول على حكم الهند ومنهم المسلمون إلا أن هذه التماثيل لم تُمَس بسوء ، حتي اكتشفها البرتغاليون واتخذوها هدفاً للتسلية والتدريب على الرماية .

نحن نحتاج إلى أن تتسع بفهم تعاليم الإسلام عقولنا ، وتتسع بروحه السمحة قلوبنا ، حتى نتمكن من أداء دورنا الرسالي تجاه العالم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين