بين الأفقي والعمودي

كثيرون هم الأفراد والمؤسسات ممن لا يملكون لونا ولا طعما ولا رائحة.

والسبب في ذلك أنهم دخلوا في كل شيء وما أحسنوا أو أتقنوا أيّ شيء، فلا تجد عندهم بصمة أو ميزة تخصصيَّة تؤهلهم للإتقان والإبداع في مجال ما.

إنَّ التكوين والتصورات ينبغي أن تكون أفقية موسوعية شاملة أول أمرها لكنها ينبغي أن تتجه بعد ذلك في الأداء والإنجاز والمجال نحو التخصص العمودي الذي يركز على مجال واحد ليراكم الخبرة والإنجاز عموديا بعيدا عن التشتت والتوسع الذي يضيع الهُويَّة والإتقان.

من الحكم التي يلتقطها المسلم من التجربة الإنسانية هو الإبداع والتركيز التخصصي في العالم الغربي الذي يتسيّد عالمنا اليوم في مجالات تخصصية كثيرة وقد لا نستغرب إن عرفنا أن كثيرا من المجتمعات في العالم الثالث قد تملك ثقافة أفقية شاملة أكثر من مجتمعات العالم الأول وليس ذلك بالميزة بل هو سوء التوجيه وغرور الثقافة الواسعة دون تركيز.

إن الأسباب المؤدية لذلك عديدة نذكر منها:

1_ فضول النفس البشرية نحو استكشاف مجالات جديدة كنزوة وشهوة طاغية دون دراسة كافية .

2_ الجهل بقيمة التركيز والتخصص الذي يؤدي إلى الإنجاز والإتقان.

3_ الإحساس الديني الموهوم وغير الناضج بالمسؤولية أنّ على عاتق الفرد أو المؤسسة أنْ تسدّ الفراغ في كل شيء، وعدم التفريق بين شمولية الإسلام وشمولية الأداء والتطبيق.

4_ ارتباط التشتت والجهد الأفقي بالعائد المادي حيث إن الجهد التخصصي بحاجة إلى صبر وخبرة لتحصيل العائد المادي منه لكن المحتاج يستعجل فيعمل في كل عمل يسنح له لتحصيل المال.

5_ الفشل في المجال التخصصي فبدل أن يكون تطوير واستدراك في التخصص ذاته يكون الجنوح نحو تخصص آخر وهكذا في سلسلة لا تنتهي فيصبح كما يقول المثل العراقي: "سبع صنايع والبخت ضايع".

وأخيرا فإن الحبر الذي تكتب فيه مئات الأصفار أكثر بكثير من كتابة رقم آخر من الأرقام لكن هذا الرقم هو صاحب القيمة الحقيقية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين