العام المراد به الخصوص!

 

قال تعالى "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" سورة البقرة الآية 6 إن القراءة الاولى لهذه الآية دون التدبر قد تأتي بسؤال مفاده إذا كان إنذار الرسول عليه الصلاة والسلام وعدم إنذاره سواء في نتيجته من عدم إيمان الكافرين، فلماذا إذن أرسله الله تعالى إليهم منذراً؟.

والحقيقة أنه سؤال منطقي للوهلة الاولى إن طرحنا من ذهننا أن للغة العربية أساليب في كلامها وخطابها وأن هذه الأساليب لابد من فهمها لفهم القرآن العظيم وإلا فقد يفهم القرآن من لا علم له بأساليب العربية فهما خاطئاً. نعم إن الفهم الصحيح لأسلوب العربية سيفتح للقارئ فهم المعنى المقصود وهو الآتي: إن نوعاً خاصاً من الكافرين وهم الغواة العتاة المتمردون المصرون على العناد والمكابرة أمام الحجج الواضحة هؤلاء يستوي في شأنهم إنذارك لهم أم عدمه لأنهم قوم منفي في حقهم الاستعداد للإيمان .

فهؤلاء الذين شافههم الرسول عليه الصلاة والسلام بالإنذار في عهده أصروا على الكفر مع تيقنهم بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام. 

فكلمة (الذين كفروا) هنا كلمة عامة يراد بها نوع خاص، وهو الذي يطلق عليه علماء أصول الفقه "العام المراد به الخصوص" وله امثلة كثيرة، منها قوله تعالى "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" "فالناس" الأولى هو نعيم بن مسعود الأشجعي وحرضه أبو سفيان (قبل إسلامه) على تثبيط الصحابة عن الخروج لقتالهم. والناس الثانية المقصود بها أبو سفيان وجنوده من قريش.

وثمة تساؤل آخر وهو: إذن ما فائدة إنذار الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء العتاة وقد أمره الله تعالى بهذا الإنذار وأظهر له النتيجة؟

والجواب فائدته استخراج مكنونات نفوس هؤلاء وسر ما سبق به علم الله تعالى عنهم من إبائهم عن الإيمان مع نصب الحجج العظيمة وذلك "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" وقال تعالى "ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى". 

لقد أمر الله رسوله بالإنذار والتبشير ليظهر علم الله تعالى في استعداد المطيع من الآبي المعاند فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة فإن الذكرى تنفع المؤمنين وتقوم بها الحجة على الآخرين. 

ولمحة ثانية في الآية وهي أن الله تعالى لم يقل "سواء عليك أأنذرتهم" بل قال "سواء عليهم" وذلك لأن إنذارهم وعدم إنذارهم ليسا سواء بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام وذلك لأنه مأمور بالإنذار فهي وظيفته من الله تعالى، ودعوته لهؤلاء ولو لم يكن منها نتيجة فإن فيها تحقيق وظيفة الرسول ويترتب الثواب العظيم والمقام الكبير على القيام بها وأنه لو لم يقم بهذه الوظيفة – وحاشاه ألا يقوم – يكون مخالفاً وهو عليه الصلاة والسلام أول المطيعين، فالأمر بالنسبة إليه ليس سواء، بل عدم التساوي راجع لأولئك المعاندين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين