الإسلام في أفريقيا (43) الشهيد الفقيه إبراهيم بن محمد الضبي الصديني ابن البرذون

كان عالماً بالذبِّ عن مذهب مالك، وكان فقيهاً بارعاً في العلم، وكان صاحب حجة ومناظرة. لم يكن في شباب عصره أقوى على الجدل والمناظرة وإقامة الحجة على المخالفين منه.

سمع من جماعة من رجال سحنون منهم: عيسى بن مسكين ويحيى بن عمر وجبلة وسعيد بن إسحاق. وكان يقول عن نفسه: إنني أتكلم في تسعة عشر فناً من العلم.

مواقف أبي إسحاق البطولية

عندما ولي القضاء محمد بن أسود الصديني استدعاه وضربه بالسياط لذبّه عن السنة، وكان الصديني يصرح (بخلق القرآن،). وبعد أن ولي القضاء (المروذي) في أيام عبد الله الشيعي أخذ قوماً من أهل العلم فضرب بعضهم وسجن بعضهم.. فرفع خبر إبراهيم إلى أبي العباس المخطوم فأمر حسن ابن أبي خنزير - عامل القيروان - أن يأخذه هو وأبا بكر بن هذيل فيقتلهما جميعا (لعنه الله).

قصة استشهاد ابن البرذون

قال ابن سعدون: كان ابن البرزون من العلماء الخاشعين. وكانت الشيعة بالقيروان تميل إلى أهل العراق لموافقتهم إياهم في مسألة التفضيل ورخصة مذهبهم، فرفعوا عليه دعوة باطلة لأبي عبد الله الشيعي، وقيل لأخيه أبي العباس المخطوم - لعنهما الله - إن ابن البرذون وابن هذيل يطعنان في دولته ولا يفضلان علياً. وأنهي إليه أنه قال لبعض أصحابه - وقد ناظره في إمامة أبي بكر - كان علي يقيم الحدود بين يديه، فلولا إنه كان إمام هدى مستحقاً بالتقديم، ما حلت له معونته. فحبسهما، ثم أمر عامل القيروان حسن بن أبي خنزير أن يضرب هذيل خمس مئة سوط، ويضرب رقبة ابن البرذون. فغلط ابن أبي خنزير فأخرج إبراهيم بن البرذون ليلاً فضربه خمس مئة سوط، وضرب رقبة ابن هذيل. ثم انتبه للغلط، فأخرج إبراهيم فضرب رقبته أيضاً.

وقيل إن إبراهيم لما جُرِّد ليقتل، قال له حسن: ترجع عن مذهبك؟ فقال له: عن الإسلام تستتيبني! فقتل. ثم ربطت أجسادهما بالحبال، وجرتهما البغال مكشوفين بالقيروان، وصُلبا نحو ثلاثة أيام ثم أنزلا فدفنا. فذكر أن بعضهم رأى إبراهيم في النوم، فقيل له: أنت مع صاحبك؟ فأشار أنه فوقه. فقيل له: بماذا رفعت عليه؟ فأشار بيده يحكي أن الضرب الذي ضرب دونه. وكانت هذه النازلة بهما سنة (297هـ/909م).

وحكي أن ابن أبي خنزير لما أتي بابن البرذون إليه، قال له: ياخنزير! فقال له ابن البرذون: الخنازير معروفة بأبنائها. وعاجله بالقتل ولم يضربه.

وحكى أبو عبد الله بن خراسان وابن نصرون: أن فاعل ذلك بهما أبو عبد الله وأخوه المخطوم. فقال لهما أبو عبد الله: أتشهدان أن هذا رسول الله؟

فقالا بلفظ واحد: والله الذي لا إله إلا هو! لو جاءنا والشمس في يمينه والقمر في يساره، يقول: أنا رسول الله، ما قبلناه. فأمر عبيد الله بذبحهما وربطهما إلى أذناب البغال.

وقيل: جاء فيهما كتاب من المهدية: يدخلان في الدعوة أو يضربان بالسياط حتى يموتا. فعرض عليهما ذلك، فقالا: ما نترك الإسلام. فقيل لهما: قولا للناس ولا تفعلا، فقالا: يقتدى بنا فيما نفعل، عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة.

وقيل إن أخا الشيعي قال له: أفسدت علينا ما بنا حاجة إلى إصلاحه.

وقيل إنه قال له: قد أمّنت القيروان، فأخشى بموت هذين الرجلين أن يحسبوا أنه رجوع عن أمانهم. فقال الشيعي: ما جعل الله لي، ولا لأحد أن يعطيهم ما منعهم الله. يقول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن)، فمن يأتي بما يكره الإمام التقي كان سبيله سبيل الذمة إذا ما تابوا مما في قلوبهم من بغض النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسعني فيهما إلا القتل.

ومنع عبيد الله الفقهاء ألا يفتوا بمذهب مالك، إلا بمذهبهم الذي ينسبونه إلى (جعفر بن محمد) ويسمونه مذهب أهل البيت، من سقوط طلاق البتة، وإحاطة البنات بالميراث، وغير ذلك. وغلط الأمر على المالكية من هذا الحين، ومنعوا من المجلس والفتيا، فكان من يأخذ عنهم ويتذاكر معهم إنما يكون سراً وعلى حال خوف وريبة.

وكان لابن البرذون أخ اسمه عبد الملك يرى مذهب الشافعي ويناظر في الفقه مناظرة حسنة، خذله الله فتشرق. فشتان ما بينه وبين أخيه!

رحم الله شهيد الحق الذي لم تلن له قناة في الذب عن السنة والمنافحة عن الإسلام دون دعاة الباطل من العبيديين لعنهم الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين