إنَّها كُن

قالت: كثرت المتطلبات، ودخلُ الزوجِ لم يَعُدْ يغطي حتى الضرورات، فضاق بنا الحال وضقنا به.

فكَّرتُ أن أعمل كي أُعِين عائلتي، وهذا يعني أنِّي فكَّرتُ في أمرٍ بات مستحيلاً هنا حسب القوانين، وسمعتُ كلمات تنوَّعَ الغرضُ منها، فهذا ناصح وذاك مشفق، وتلك مثبِّطة أو ساخرة ممَّا قرَّرت.

لكن، وبعد جولات من التفكير؛ قلتُ في نفسي: "وما المشكلة من المحاولة؟"

وفعلاً اتصلتُ هنا وهناك، ولجأتُ إلى الواسطات، وقلَّبت المجلَّات والمواقع بكلِّ مسمَّياتها، وأخذتُ أنتظر أياماً وليالي طالت يتلاعب بي خلالها أملٌ يرفعني أو يأسٌ يحطُّني، وبينهما ما نسيتُ الدعاء والتذلُّل للعظيم القادر القاهر لكل الممنوعات والمسموحات والقوانين.. وبعد طول وقت أصابني الملل والفتور والحزن، فرضيتُ راضيةً حيناً ومقهورةً حيناً، وأخيراً... أخرجتُ الموضوع من رأسي.

حتى كان يوماً بعيداً عن كلِّ محاولاتي، يوماً لا أنساه، جاءني فيه اتصال من مديرة مدرسة. وبعد أن تأكدتْ مني ومن خبراتي السابقة ومهاراتي؛ طلبت مني الحضور، واتفقنا على العمل!

هذه المديرة لا أعرفها، ولا تعرفها واحدة ممَّن تواصلت معهنَّ للواسطة، ولا سمعتْ عني من أيٍّ منهنّ، بل قابَلَتها إحدى صديقاتي القديمات في زيارة، وذكرتْ في معرض الحديث أنَّها في حاجة إلى مشرفة، فذكرتني الصديقة عندها بالخير. عِلماً بأن صديقتي هذه لم تعلم ولم تسمع أني كنتُ أسأل عن عمل وقتها... إنَّه الله الذي إذا أراد شيئاً قال له: "كن"!

و قد كان حدثاً توقفتُ عنده وتأمَّلته؛ فتعلَّمت:

- أنَّ رفع الكفِّ إلى الله يصنع المستحيل، وسأظلُّ أرفع يدي إليه طالبة سائلة، تعبُّداً ورجاءً وتذللاً وطلباً لقضاء حاجاتي وحاجات أحبتي وأُمَّتي.

- التقرب إلى الله بالدعاء فيه الراحة والسعادة والطمأنينة والسكينة. كيف لا؟؟ ونحن به نلجأ إلى ملك الملوك القادر المدبِّر المعطي المغيث الرحمن الرحيم الكريم الودود؟

- الأخذ بالأسباب عبادة مأمورون بها؛ مع إيماننا بأنَّ الله هو المعطي وليست الأسباب. لكني تخيَّلتُ لو أنَّا لم نأخذ بالسبب ولم نعمل؛ فكيف ستكون حياتنا؟! كسل وتواكل ونوم وأكل وشرب وعدم سعي نحو الخير ولا هروب من الشر ولا تفكير ولا تخطيط... سنكون مخلوقات كالجمادات وربما أسوأ. وفي المقابل فإنَّ الأخذ بالسبب عملٌ وجِدٌّ ونشاط وحركة وتفكير وتخطيط وسعادة.. ما أجمل ديننا!

- كان درساً مهمّاً لي علَّمني مدى ضعفي، فمحاولاتي أو معارفي أو مهاراتي ليست هي التي حقَّقتْ ما أريد، فالفرج أتاني من جهة لا أعلمها ومن بابٍ لم أطرقه أصلاً! كم تأثرتُ وازددتُ إيماناً، وكم تعجبتُ ممَّن لا يؤمنون بالله!

- تعلَّمت ألَّا أحمل همَّ الرِّزق، فالرَّزاق تكفَّل لنا بذلك.

المصدر: مجلّة إشراقات

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين