لا يخزيك الله أبدا

أكاد أجزم أنك قد سمعت أو قرأت مرة أومرات قول خديجة (رضي الله عنها )للنبي ( صلى الله عليه وسلم)  لما جاءها يرجف فؤاده  : "كلا والله لا يخزيك الله أبدا" .

ثم عللت عدم الخزي بكونه يصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويغيث الملهوف ، ويعين على نوائب الدهر .

ألم يثر كلامها سؤالا في نفسك .

ما الذي يجعلها تجزم هذا الجزم ، وتقسم على كلامها مع كونها لا يوحى إليها بالغيب  ، ولا تعرف ما سيؤول إليه أمر النبي( صلى الله عليه وسلم ) ؟

ولم ينكر عليها النبي( صلى الله عليه وسلم) قسمها ولا جزمها  أن الخزي لن يحصل له !

قد سمعت كلام خديجة ( رضي الله عنها)  هذا قريباً ، فهزني هزاً عنيفاً ، وألم بقلبى أن مثل هذا الجزم لا يحتاج إلى وحي به ، ولا كشف غيب ؛

لأنه -وبكل بساطه - مما تواتر عند العقلاء أن صانع المعروف لا يخزى ،

والمحسن للناس لا يضام ،

والمواسي لهم لا يذل .

ومن رأى سير الناس وسبر أحداث التاريخ تواتر لديه هذا المعني وثبت عنده.

فصانع المعروف الذي يبذل نفسه للناس يغيث ملهوفهم ، ويحمي ضعيفهم ، ويساعد محتاجهم=  لا يخزيه الله أبدا .

ألم تر إلى تلك البغي التي سقت كلبا = قد غفر الله لها .

تخيل هذا جيدا ،

بغي تصنع معروفا إلى كلب فتدخل الجنة !

والرجل الذي أزال الغصن الذي كان يؤذي المسلمين أليس قد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه من أهل الجنة ؟

والمرأة التي لم تؤذ جيرانها بلسانها  أليست من أهل الجنة ؟

والرجل الذي لم يصنع خيرا إلا أنه كان ينظر الموسر ويتجاوز عن المعسر  أليس قد تجاوز الله عنه ؟

ومن الأحاديث القولية التي تبين ما ذكرت وتجليه ما رواه ابن عمر 

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه  قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أوتقضي عنه ديناً، أوتطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل. والحديث [حسنه الألباني ] .

 فالرسالة إذاً

اصنع المعروف ولا تبالي وقع حيث أردت أم لم يقع ، فالعبرة ليست بأثره إنما بإخلاصك وصدقك في فعله .

اصنع المعروف فإنه يقيك غائلة السوء وموارد الهلكة .

[فصنائع المعروف تقي مصارع السوء ] .

سمعت الشيخ [عبدالكريم الخضير]  حفظه الله يحكي عن أحد صانعي المعروف ممن كان يسقي الناس في وقت الفقر والعطش 

أنه ضل في برية مع جماعة من رفقته  حتى كادوا يموتون عطشا ،

فقام هذا يقسم على ربه 

يقول : "  أنا الذي عشت أسقي الناس  من العطش أموت عطشا ، لا والله لا يكون أبدا " .

فما هي ألا لحظات حتى بعث الله إليهم من سقاهم ونجاهم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين