الإسلام في أفريقيا (39)

حقد المجوس على الإسلام وأهله

كما قلنا في الحلقة السابقة فإن الباعث على تآمرهم على الإسلام وأهله هو سلب ملكهم والقدح في دينهم وقمع باطلهم بثبوت الإسلام، فلما خافوا من تطاول ذلك أعملوا رأيهم واتفقوا على وضع دعوة تدخل الشبهة على عوام الناس ومن لا علم عنده. 

فيقال إن أول من وضع تلك الخطط الهرمزان الذي واضع أبا لؤلؤة المجوسي على قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم ظهر أمرها وتوسع في زمن أبي مسلم الخراساني قائد جيوش العباسيين في خراسان، والذي كان وراء القضاء على الدولة الأموية وصعود الدولة العباسية.

ثم كان في زمن المعتصم قائد جيوشه (الأفشين) الذي قتله بعد إخماد تمرده. وكان من رأي الأوائل منهم أنهم اتفقوا على تقديم رجل منهم وضمنوا له النصرة والإمداد بالمال. فجعلوه في رجل يعرف بعبد الله بن ميمون بن عمرو القداح الأهوازي. وذلك في سنة (210هـ/825م)، وكان حاذقاً مشعوذاً فأظهر الورع والزهد، وكان يتخذ رجالاً يشبهون خلقته ويأمرهم بالحج وإظهار أنفسهم لمن يعرفونه، ويستتر هو مدة أيام الحج، ثم يظهر ويخبر أنه حج مع الناس، فإذا رجع المشاهدون لأمثاله اعتقدوا صدقه وأنه حج وعاد إلى وطنه وطوي له البعيد.

واختلف في جد القداح فقيل: هو ديصان أحد (الثنتوية) وقيل: إن الطائفة الميمونية، وهم غلاة الرافضة، ينسبون إلى ولد هذا عبد الله بن ميمون. وقد اتفق الكل على أن القداح ليس من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه دعيّ. وكان من دعواهم الكاذبة أن قالوا إن جعفر بن محمد الصادق لما انقلب روحانيا استخلف لتميم، يعني المعز لدين الله، دوره سبعة وهم: عبد الله بن ميمون القداح.

وبعد أن تمكن أبو عبد الله من رقادة توجه إلى سجلماسة لينقذ المهدي من سجن اليسع. حتى قرب منها. فأرسل اليسع إلى المهدي فسأله عن نسبه وحاله، وهل إليه قصد أبي عبد الله؟ فحلف له المهدي أنه ما رأى أبا عبد الله ولا عرفه، وإنما أنا رجل تاجر.

فأغلظ له في القول فلم يحل عن كلامه فأمر به أن يعاد إلى الاعتقال وأفرد في دار وحده، وكذلك فعل بابنه أبي القاسم، وجعل عليهما حرس. وقرر أبا القاسم أيضاً فما حال عن كلام أبيه. وقرر رجالاً كانوا معه وضربهم فلم يقروا بشيء.

وسمع أبو عبد الله ذلك فشقَّ عليه وأرسل إلى اليسع كتاباً يتلطف به ويؤمنه. ووعده من نفسه بالجميل. فرمى الكتاب وقتل الرسول. فعاوده في الملاطفة خوفاً على المهدي وأعرض عن ذكره له أولاً وآخراً، فقتل الرسول ثانياً وتمادى على حاله، فأسرع أبو عبد الله في السير ونزل عليه وقاتله حتى الليل، فهرب اليسع ومن معه، وبات أبو عبد الله ومن معه في غم عظيم لا يدرون ما صنع بالمهدي وولده. فلما أصبح خرج إليهم أهل البلد وأعلموهم بهرب اليسع، فدخل بأصحابه البلد وأتوا المكان الذي فيه المهدي فاستخرجه منه وأخرج ولده. فقرّب عبد الله إلى المهدي وولده حصانين فركبا، وحفت العساكر بهما، ومشى أبو عبد الله ووجوه القبائل بين يدي المهدي، وأبو عبد الله يقول للناس: هذا مولاكم ومولاي ! وهو يبكي من شدة الفرح.

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين