أحوال

درست على يد جمع من العلماء المشهود لهم بالعلم والمكانة وكان الذين تأثرت بهم منهم ثلة مباركة لا أذكر اليوم من مقالهم وكلامهم وحديثهم الا القليل النادر وإنما الذي بان في حالي أثره وبقي في نفسي ذكره ولا يفارق خيالي طيفه هو "صدق أحوالهم وحسن سمتهم ومظاهر تقواهم وجليل اعمالهم".

إن العلم كثير والكلام وفير ولكن صدق الحال وحسن القصد وعظمة الخلق نعمة عظيمة لا ينالها الا المحظوظ من العلماء وإنما عماد الوراثة الحقة فيها لا في كثير القول وسباكة الحديث وتزويق الكلام.

والجمع بين صدق الحال وصدق المقال غاية شريفة ومنزلة رفيعة.

إن صدق أحوال وسلوكيات العالِم هو من يصنع له مصداقية الرأي وقوة التأثير وليس حجم ما يملكه من المعارف.

وإن لصدق الأحوال روحا تسري في الكلمات التي تقال فيحسها تلميذه والناس ويتأثرون بها دون حتى أن يعرفوا تفسير ذلك.

ستُنسى العبارات والكلمات وتضمحل السؤالات والاجابات وتغيب الشروح والتعليقات ولن تبقى إلا المواقف والأحوال وحسن الخلق وسلامة الصدر وحب الخير للغير والإخلاص في العمل والاعتدال في الشخصية وذكريات السلوك الصادق المؤثر.

رأينا مثلا آباء كان لهم باع كبير في الكلام والأمر والنهي والضبط والربط مع أولادهم فما عصمهم ذلك من العقوق ورأينا آباء آخرين كانت استقامتهم وأحوالهم الصالحة وحدها كفيلة بصلاح أولادهم وبرهم لهم.

أحب الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم _ وهو أمي _ قبل النبوة لأنه الصادق الأمين.

وأحبوه بعد النبوة ليس للعلم الذي جاءهم به فحسب بل لأنه أخشاهم لله وأتقاهم له ولأنه الموصوف بالخلق العظيم.

يقول الإمام مالك عن ابن المنكدر: "كلما رأيت محمد بن المنكدر تذكرت الآخرة".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين