إدلب.. مفترق طرق الحسابات والمصالح


لم يعد الهروب إلى الأمام بالنسبة إلى تركيا ضمن الملف السوري الذي وصل إلى العقدة في إدلب أمرًا مجديًا، ما دعاها أخيرًا إلى التصريح عنوة أن مسألة إدلب لا تمثل حماية 3.5 مليون سوري مهددون بالاجتياح والحرب إنما يتعلق بأمنها القومي.

فالسيناريوهات عقب قمة طهران الخاصة بإدلب باتت مفتوحة مع عدم وجود حل نهائي، إذ يعد تأجيل تركيا للحملة العسكرية أمرًا إيجابيًا لكنه يُخفي ويُنبئ بالكثير، فخلال الأسبوع الماضي بدأ استعراض العضلات من قبل أطراف الصراع وانخرطت تركيا بثقلها العسكري بعيداً عن براغماتيتها المعتادة.

فالأرقام تشير حاليًّا إلى وجود ما يقارب 30 ألف جندي تركي باتوا مجهزين بعتاد وسلاح (دفاعي – هجومي) داخل نقاط المراقبة المنتشرة، تريد بهم تركيا حماية اقتصادها واحتواء أزمتها بعيدًا عن تلقي المزيد من اللاجئين بالدرجة الأولى، ومنع انتقال المعركة إلى داخل حدودها بالدرجة الثانية بعد تورط استخبارات الأسد بتفجير الريحانية والكشف عن تقارير تؤكد عزم الميليشيات الكردية خوض معركة إدلب سراً مع الأسد في سبيل الوصول إلى الحدود التركية من خلال جيب جغرافي غير محسوب على حاضنتها يمكنها من زعزعة استقرار الجبهة الداخلية التركية.

الإثنين القادم سيلتقي بوتين وأردوغان حسب الرئاسة التركية في سوتشي من أجل حل مشكلة إدلب، وسيكون الموقف التركي أكثر قوة هذه المرة مع دخول العتاد الثقيل، وستلقي جرائم الأسد بحق المواطنين الأتراك بظلالها على القمة، فإما يخرج الرجلان بحل يرضي الطرفين مما يعني دفعة جديدة و مفصلية لعلاقتهما النامية بحيث تكون إدلب حجر الزاوية في تسريع وتيرة الحل السياسي بدعم من أنقرة، أو أن الصدام الحتمي لا مفرَّ منه وهو إن كان مستبعدًا، غير أن قاعدة حميميم أكدت دعمها لميليشيات الأسد في مواجهة أي قوات أجنبية (غير شرعية) على حدّ وصفها في حربها ضد الإرهاب وذكرت القوات التركية تحديداً.

تبقى الخيارات بين الطرفين للوصول إلى حل محدودة جدًا بمصالحهما، غير أن المتوقع هو أن يتنازل كلا الطرفين من مزودة حلفائهما السوريين (المعارضة – النظام) لدرجة حفظ ماء الوجه لكلا الطرفين، فالروس ما يهمهم هو تأمين قاعدة حميميم من الطائرات المسيرة وتأمين خط دفاعي متقدم لحاضنة الأسد في الساحل السوري، والخروج من هذا العام بنصر وإن كان شكليًّا بالتعاون مع تركيا بالقضاء على الفصائل المتطرفة بالتعبير الروسي ليكون وجبة دسمة للاستهلاك المحلي الروسي وخصوصًا بعد تقديم القيادة الروسية وعودًا بذلك مع مؤشرات انخفاض شعبية بوتين داخل روسيا.

وعلى الجانب الآخر تسعى تركيا للحفاظ على وجودها بعمق إستراتيجي ذو أبعاد (سياسية وعسكرية) في إدلب على المدى الطويل حتى يتم إنهاء الملف الكردي بين القطبين الأمريكي والروسي بصيغة مقبولة لأنقرة تفرض عليهم أخذ اعتباراتها بالحسبان بمقدار ثقلها على الخريطة السورية.

الصيغة التي سيتم التوصل إليها في سوتشي ستكون المنال الأخير للأسد، وستقفز أنقرة وموسكو فوق عقدة إدلب لحاجتهما المتبادلة في صياغة الحل السياسي مع اقتراب موعد استحقاقه باعتبارهما شريكين في المصالح أمام الولايات المتحدة التي يقارب العداء لها بين الروس والأتراك، وهو ما تحاول واشنطن تشويهه وإنكاره دبلوماسيًّا وسياسيًّا بتناقض واضح مع سير خططها العسكرية في المنطقة من خلال تعزيز أساطيلها وتفعيل مناوراتها والاستمرار بدعم الميليشيات الكردية شرق المتوسط.

فهل ستنجح روسيا وتركيا في إبرام صفقتهما المرحلية (إدلب) للانتقال لمواجهة تهديداتهما الإستراتيجية المقبلة؟
المصدر : موقع حبر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين