في ظلال الهجرة والحنين للوطن

في الوقت الذي نستذكر اختيار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبداية التقويم الهجري، في هذا الوقت من الشهر المحرم تطل علينا بداية السنة الهجرية، وما زالت دماء الأبرياء والأطفال والنساء تسفك في بلادنا، وما زلنا نستذكر قيم العدل والحرية والمساواة التي أقامها الخليفة العادل خلال فترة خلافته.

فارق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعه من بعده الصحابة الكرام بلادهم وأوطانهم وقبائلهم التي كانوا يعيشون فيها، مقدمين مصلحة الإسلام والدعوة الإسلامية على مصلحة النفس والهوى والحنين إلى الوطن الأم، بدؤوا حياتهم الجديدة بروح إيمانية جديدة في طريق محفوف بالمخاطر والمحن والابتلاءات، وكان صلى الله عليه وسلم يصرح بحبه لمكة كما في قصة الحمى التي أصابتهم، وهي عند البخاري "عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وعك أبو بكر، وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل

قال: اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة....."

آه يا وطني

أيها الوطن البعيد.. يا عشقنا الأبدي.. اشتقنا إلى حجارك إلى قلاعك إلى أسواقك ولكن الحجر ويح الحجر أصبح ملطخًا بالدماء. 

كلما شعرت بالنسيم أو الهواء العليل تذكرت نسيمك وهواءك... ولكن النسيم والهواء العليل أصبحا ملوثان بالكيماوي والبارود...

وطني جرحك كبير عميق غزته شياطين وأبالسة الدنيا تنهش به هنا وهناك يريدون تمزيقه وتقسيمه...

سادتي

إن حب الوطن غريزة في كل إنسان، والهجرة منه مهما طالت الأيام ومرت الشهور والسنين تترك في النفس حنينًا وشوقًا على أمل العودة واللقاء من جديد.

فالهجرة انتقال من أرض إلى أرض، ومن مكان إلى مكان، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هاجر من موطنه وأرضه وقد علم منذ البداية بأن طريقه في الدعوة سيسبب له الخروج من أرضه ووطنه، كما عند البخاري وغيره "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لورقة بن نوفل «أومخرجي هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي" ومع ذلك صبر واحتسب، وعندما هاجر خاطب وطنه قائلًا كما عند الترمذي "عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك".

في كل خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته تؤكد ثقته بالله عز وجل )إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانيَ اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه: لا تحزنْ إنَّ الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لم تَرَوْها وجعل كلمة الذين كفروا السُّفلى وكلمةُ الله هي العليا والله عزيز حكيم( وتأتي مناسبة الهجرة لنؤكد ثقتنا بربنا سبحانه وتعالى أنه ناصرنا لا محالة. 

ورحم الله إقبال إذ قال:

أضحى الإسلام لنا دينا … وجميع الكون لنا وطنا

توحيد الله لنا نور …أعددنا الروح له سكنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين