أراد "جبران خليل جبران " أن يوصل معنى من خلال حوار فلسفي خيالي بين حمارين ( الحفيد والجد ) .
حيث مر كلاهما فوق جسر أنطاكيا ، فوجدا حجراً مكتوباً عليه : " هذا ما بناه الملك الروماني .... " .
فدار حوار بين الحمارين ، عرف فيه الحمار الحفيد أن الذي نقل أحجار الجسر هم أجداده الحمير ، فوجه سؤاله للحمار الجد :
لماذا لم يكتبوا : هذا ما بناه حمير أنطاكيا ؟؟!! .)
معنى فلسفي عميق يستحق الوقوف عنده .
حيث تخيل الحمار الحفيد أن مجرد مشاركة أجداده الحمير في بناء صرح الملك الروماني يستوجب تكريمهم وكتابة اسمهم بجوار الملك .
وحمل سؤاله تعجباً واستنكاراً لإهمال ذكر الحمير برغم ما بذلوه من مجهود وما تكبدوه من عناء ، وبرغم دورهم المحوري في بناء صرح الملك .!
ولكن الواقع يقول : إن الحمير مسلوبة الإرادة فاقدة الوعي تسير وفق أهداف يضعها قائدها ، فهي في المحصلة مُسَّخَّرة لتنفيذ ما يُراد لها ، لا ما تريده هي .
فالمسألة مسألة امتلاك الوعي والإرادة قبل توفر القوة والعدد والعتاد .
فإذا كان الجمل على ضخامته وقوته ، يستطيع طفل صغير أن يروضه ويوجهه ، فهذا طبيعي رغم فارق الحجم والقوة ، لأن الطفل هنا هو صاحب الإرادة والهدف ، والجمل مجرد أداة سُخْرَة.
وبغض النظر عما قد ينتفع به الحمير من بعض عطايا الملك ، وما قد يتميز به الحمير ذوو الحيثيات الخاصة .
تقوم السياسة الثابتة للملك على سلب الإرادة والوعي عن الحمير بواسطة دعامتين أساسيتين هما :
التجهيل والإلهاء .
فالثور يتم تجهيله بإغماء عينيه وتركه يدور في الساقية بحركة دائرية عبثية بُغية رفع الماء حيث يريد مُسَّخِره .
ويتم إلهاؤه بالمنديل الأحمر في حلبة مصارعة الثيران ، وبينما هو يَتَلَهى بمتابعة الهدف الوهمي تنغرس السهام في رقبته ، حتى يَخِر صريعاً وسط صيحات الانتصار من مُسَّخِرِه .
ومازالت تلك القصة تتكرر وتتعدد أشكالها .
والخلاصة: أن أي إنسان أو شعب يسير في الحياة فاقد الوعي ، مغمض العينين ، مسلوب الإرادة ، يعطي تفويضا على بياض لمن يقوده، فسيكون مصيره مصير حمير أنطاكيا ؛ وظيفتهم فقط : نقل أحجار لبناء صروحا لغيرهم .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول