أبناؤنا مستقبل أمتنا

عناصر المادة

1- أبناؤنا رأس مالنا 2- إعداد الأبناء مسؤولية الأمة 3- التربية بالقدوة!

1- أبناؤنا رأس مالنا

ما من تاجر إلا وهو يسعى إلى مزيد من الثروة والمال، وهو في سبيل ذلك يعتمد أوّل ما يعتمد على استثمار رأس المال الذي يملك، وهكذا هي الأمم والشعوب والدول إذا ما أرادت مزيداً من التقدم والازدهار والحضارة والسؤدد لا بد لها من أن تعتمد أول ما تعتمد على رأس المال الذي تملكه.

وإن رأس مالنا أبناؤنا وجيلنا الناشئ، فأبناء اليوم هم رجال المستقبل، فإما أن نستثمر هذا النشئ فيكون جيلا للنهضة، وإما أن نهمل استثمار هذا النشئ فيكون جيل الانحطاط والضعف.

ففي أبنائنا تتجسد آمال أمتنا وطموحاتها، فهم أدوات نهضتها وتقدمها.

وإن الناظر إلى سيرة أمتنا يجد مصداق ذلك ماثلا للعيان، فنحن نعرف أنه في بدايات الدعوة الإسلامية كان أكثر من أسلم كانوا من الشباب، أمثال علي بن أبي طالب، وعبد الله بن أبي بكر، وبلال بن رباح... رضي الله عنهم، شباب استطاعوا أن ينهضوا بالأمة، وأن يبنوا كيانها، وأن ينشروا هذا الدين إلى العالم.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي شباب الصحابة ويعلي من شأنهم ويدلل على ذلك حين عيّن شاباً لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً قائداً لجيش من جنوده أبو بكر وعمر، ألا وهو أسامة بن زيد رضي الله عنه، وهنا ملمح دقيق أن الشباب له دور كبير في الأمة، دور كبير في النهضة، دور كبير في التقدم، دور كبير في انتصار الأمة.

وفي هذا الباب نتذكر حادثة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال يوما لمن حوله: "تمنوا"، فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا فأنفقه في سبيل الله ثم قال: "تمنوا"، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا أو زبرجدا أو جوهرا، فأنفقه في سبيل الله وأتصدق، ثم قال عمر: "تمنوا"، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، قال عمر: "أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان". فضائل الصحابة: 2/740

2- إعداد الأبناء مسؤولية الأمة

إنّ السعي في بناء الجيل يحتاج جهداً جماعياً من قبل المربين من أبناء الأمة، قال حسن البنا رحمه الله: "إن بناء الأمم وتربية الشعوب ومناصرة المبادئ وتحقيق الآمال يحتاج من الأمة التي تسعى إلى ذلك إلى إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، وتلك هي شروط نهضة أي أمة من الأمم, وأي شعب يفقد هذه الصفات فهو شعب عابث مسكين لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جوٍّ من الأحلام والظنون والأوهام، {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا}، وهذا قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا".

أيها الآباء أيها المربون أبناؤكم أمانة والله تعالى يقول: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} [سورة الأحزاب:72]. 

ويخابطكم الله سبحانه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]. 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته) قال: وحسبت أن قد قال: (والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته). [ 1 ]

وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت). [ 2 ]

فمصلحتكم ومستقبل بلدكم وأمتكم أنتم من تصنعونه اليوم بتربية أبنائكم لتحصدوه غداً. 

وقد ذكر لنا التاريخ قصصاً من تربية النشئ، فعن ابن أبي أويس قال: سمعت خالي مالك بن أنس، يقول: "كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول لي: تأتي أنت مجلس ربيعة، فتعلم من سمته وأدبه قبل أن تتعلم من حديثه وفهمه". [ 3 ]

وهذه قصة أم سفيان الثوري وهي تربي ابنها سفيان الثوري فتقول له: "يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك يمغزلي، وقالت له: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك". [ 4 ]

يقول الشيخ محمد راتب النابلسي حفظه الله: "كيف نقابل القنبلة الذرية؟ نقابل القنبلة الذرية بقنبلة الذُريَّة، وأولادنا هم المستقبل، والله الذي لا إله إلا هو قد يجتمع في درس الجمعة عدد كبير جداً في الحرم والصحن والأروقة والمكتبة، لا أتأثر بهذا الجمع الغفير كما أتأثر بطالب صغير في المعهد يشكل تشكيلاً صحيحاً، يدرس العقيدة الصحيحة، يتخلق بأخلاق المسلمين، يتعامل مع هذا المنهج القويم".

3- التربية بالقدوة!

قال تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [سورة طه: 117].

هذا خلاف قواعد اللغة، ينبغي أن تكون الآية فتشقيا، قال علماء البلاغة: هذا إيجاز غني، لأن شقاء الرجل شقاءٌ حكميٌّ لابنه، أو شقاءٌ حكميٌّ لزوجته، لا داعي أن تقول: تشقيا، قال تعالى: {تشقى} أي تشقى امرأتك معك ويشقى أولادك معك بشقائك.

واليوم مع تزاحم المشاغل على الآباء، والانفتاح الهائل في الإعلام بوسائل وأدوات كثيرة، يصبح التوجيه والتربيه فيها ليست حكراً على الأسرة، ولا المدرسة، بل صار هناك مربون وموجهون كثر بسبب تطور وسائل الإعلام، ويمارسون التوجيه والتربية والتأثير في كل وقت، ولا يحدهم مكان، وتتنوع أساليبهم بشكل فظيع.. كل هذا يوجب علينا أن نلتفت كثيراً وليس قليلاً إلى أبنائنا، لنقترب منهم، ونستشير الخبراء، ونبذل كل جهد في سبيل إكسابهم الوعي السليم، والآداب الفاضلة، وربطهم بقدوات الأمة بدءاً برسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة والصحابيات، فإن القدوة تسهم كثيراً في تربية الناشئة وصقل شخصياتهم.

والقدوة من الآباء والمربين قبل ذلك كله، هي الحجر الأساس في التربية، ولبيان أهمية القدوة ومكانها قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

ويقول أحد خبراء التربية في توضيح مدى تأثير القدوة في الأسرة: "إذا كانت هناك عوامل أخرى لها تأثيراتها على العملية التربوية داخل الأسرة، فإن هذه العوامل الأخرى لن تُجْدِيَ نفعًا بدون قدوة حسنة يتربى عليها الأبناء أو الأطفال داخل الأسرة، مشيرًا إلى أن القدوة السيئة قد تهدم كلَّ ما تَبْنيه الأسرة والأهل من قِيَم وأخلاق في نفوس الأطفال، وأن نتائج هذه القيم في ظل وجود القدوة السيئة ستكون عكسية في الغالب الأعم".

ويضيف أيضاً: "أن القدوة الحسنة يجب أن تكون قدوة ناجحة من الناحية العملية والنظرية؛ لأن الاقتداء بأشخاص يغلِب عليهم الجانب النظري فقط يكون له تأثيراته السلبية على المقتدين بهم، مؤكدًا أن الدين الإسلامي الحنيف لم يعرف على مر التاريخ العالِمَ الذي يقول ما لا يفعل، أو العالِم الذي لا يبذل من الجهد والتعب ما يساعده على الوصول إلى ما يصبو إليه، ومشيرًا إلى أن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ خيرَ مثال لخير قدوة نقتدي بها في ديننا ودنيانا."

لذا لما سُئِلَت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلُقِهِ -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان خُلُقُهُ القُرآنَ". [ 5 ]

وهذا أمرٌ لم يَغْفُل عنه السَّلَفُ الصَّالِحُ، بل تَنَبَّهُوا له، وأَرْشَدُوا إليه المربين، فها هو عمرُو بن عتبةَ يُرشِد مُعلِّمَ ولدِه قائلاً: "لِيَكُنْ أولَّ إصلاحُكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك؛ فإن عيونَهم معقودةٌ بعينك، فالحَسَنُ عندهم ما صَنَعْتَ، والقبيحُ عندهم ما تركتَ!". [ 6 ]

إنه موضوع يحتاج منا كآباء وقفة وتأملاً: إلى أين نحن نسير بأبنائنا؟ هل نظرنا يوماً إلى المكان الذي سيقفه أو تقفه (ابنك أو ابنتك) في مستقبل الأمة؟ إن كنت تعدهم لشيء عظيم فهذا لا يأتي براحة الأبدان، إلا أن تتركهم هَمَلاً فيكون عليك وعلى أمتك وبالاً، ويكون الحساب يوم القيامة أشد وأنكى.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

1 - صحيح البخاري، حديث رقم: 893. صحيح مسلم: حديث رقم: 1829

2 - سنن أبي داود: 1692

3 - مسند الجوهري: ص302

4 - صفة الصفوة: 2/110

5 - أخرجه مسلم (139/746)، والبخاري في الأدب المفرد رقم (308)

6 - أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق. (38/271)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين