المنهج الصحيح لتدريس النحو

قالوا: ما رأيك في المنهاج التعليمي في عامة مدارس الهند المطبقة للمنهاج "النظامي"؟

قلت: فيه مفاسد ومساوئ أبرزتها في مقالي السابق "المنهاج التعليمي النظامي"، فلا أعيدها، ومن أراد الاطلاع عليها، فليرجع إلى ذلك المقال.

قالوا: فما إصلاحه؟

قلت: قد تحدثت عنه في المقال السابق، وملخصه أن تفصل عنه كتب المتأخرين التي تعامل العلوم معاملة الألغاز، فتتداخل فيها العلوم تداخلاً يُعقّد الأمر المطلوب، وأن توضع مكانها كتب المتقدمين الأصيلة التي تنشئ الملكة العلمية والذوق الأدبي الصالح.

قالوا: ما ضعف هذا المنهاج في تدريس اللغة العربية؟

قلت: هو شحنه بالكتابات التي تمثل عهود الانحطاط وفساد الذوق الأدبي، من أمثال مقامات بديع الزمان والحريري وحيلهما، وألاعيب ابن العميد، وغلاظات الصاحب ابن عباد، وهندسات القاضي الفاضل، والتي تعوِّد الطالب على التكلف والتصنع بل والعجمة واللكنة، وتبعده عن الكلام الطبيعي الفصيح وتنفره منه تنفيرا.

قالوا: ما إصلاحه؟

قلت: أن تدرس اللغة العربية كلغة حية، حتى ينشأ الطلاب متمكنين منها نطقًا وفهمًا وكتابة، وذلك عن طريق صياغة مقررات تشمل الكتب الأصيلة في النثر العربي في مراحله المختلفه، والشعر العربي الجاهلي والإسلامي والمخضرم والعباسي إلى الشعر العربي الحديث، والبيان والمعاني والبديع والنقد وإعجاز القرآن الكريم.

قالوا: ما ترى في المقررات النحوية في هذه المدارس؟

قلت: لعل حال النحو العربي في هذا النظام أسوأ من غيره من الموضوعات، فلا يشتمل إلا على كتب ضعيفة جدا مختلطة بمباحث لا علاقة لها بالنحو، ولا تفي بالغرض المطلوب من تدريس النحو، بل تخل به إخلالا قبيحا، وتشوش الطالب تشويشا وتبلِّده تبليدا، فمثلا "هداية النحو" من وضع بعض أهل الهند، لا أرى كتابا أهجن منه على كثرة الكتب المستهجنات والرديئات التافهات، ويقاربه ذمًّا وعيبًا "الكافية" لابن حاجب، وابن حاجب إمام في النحو والصرف، وكتابه "الشافية" من أفضل ما ألف في الصرف، وله رسائل في النحو تنبئ عن تقدمه في هذا الشأن، ولكنه في كتابه "الكافية"، لم يوفق توفيقا، فجاء كتابا ركيكا، ويا ليته لم يؤلفه، ومما زاد الطين بلة أنهم يُتبعونه بتدريس شرح الملا عبد الرحمن الجامي على الكافية، وهو كتاب كأنه جناية على العقل البشري والعلم الصحيح والذوق الصالح، وما أحسن ما قاله إمام فلسفة التعليم العلامة شبلي النعماني عنه: "فيه كل شيء إلا النحو".

قالوا: ما الغرض من تدريس النحو؟

قلت: النحو في اصطلاح العلماء إعراب الكلام العربي، وتعرف به صحته وفساده. ويرى ابن جني في كتابه الخصائص أنَّ النحو طريقة لمحاكاة العرب في طريقة كلامهم؛ وذلك من أجل تجنب اللحن، ولتمكين المستعربين في الوصول إلى مرتبة العربيّ في الفصاحة، وسلامة اللغة التي يتكلمها، وبالتالي يكون غرض علم النحو هو تحقيق هذين الهدفين.

قالوا: كيف تطور النحو؟

قلت: قيل: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه علّم أبا الأسود الدؤلي الاسم والفعل وأبوابًا من العربية وقال له: انحُ على هذا النحو، وقيل: إن أبا الأسود لما وضع وجوه العربية قال للناس: انحوا نحوه فسُمي نحوًا، وقيل غير ذلك، وتطور علم الإعراب تطورًا سريعًا في مراكزه المختلفة، أهمها: البصرة، والكوفة، وبغداد، وغلبت مدرسة البصرة على جميع هذه المدارس لأمور لا يسعنا شرحها هنا، وكان من أئمتها خليل بن أحمد الفراهيدي، وخلفه سيبويه المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة الذي ألف "الكتاب" فكان كتابًا معجزًا في الباب، وتقيّد العلماء به، وقلما زادوا عليه، فالنحو الذي نال القبول هو نحو أهل البصرة.

قالوا: ما المنهج الصحيح لتحقيق هذا الغرض؟

قلت: المنهج الصحيح هو تربية الطلاب على إعراب الكلام العربي، مع معرفة أجزائه وعناصره المختلفة، وتمكينهم من التراكيب من البناء والإعراب وغيرهما، وتمييز المرفوعات والمنصوبات والمجرورات، وفهم التوابع لها فهما سليما.

وينيغي أن يبدأ الطالب ببعض كتب القراءات العربية التي يتعلم من خلالها المفردات البدائية، وتراكيبها، وصياغة الجمل التي يكثر استعمالها لدى الفصحاء من الناس، ثم يبدأ بمقدمة في علم النحو، تعدل عن التعريفات والحدود العلمية، وتشرح كل مسألة من مسائل النحو بأمثلة عملية تساعده في استخداماته العامة، وإدراك المصطلحات الدينية، ومما ينبغي التنبيه إليه بهذه المناسبة أن يُكثر المعلّمون من الأمثلة لشرح المسائل، ويُكلِّفوا الطلاب الاستعمال الصحيح.

قالوا: سمِّ لنا بعض هذه المقدمات.

قلت: يجب عليكم أن تحذروا أكثر المقدمات النحوية في اللغة الأردية غاية الحذر، فهي ضعيفة جدا، ومليئة بالأخطاء في المسائل وفي المنهج، ومن أفضل المقدمات "أسباق النحو" للعلامة عبد الحميد الفراهي، و"المنهاج في القواعد والإعراب" لمحمد الأنطاكي، و"مبادئ في النحو" لكاتب هذه السطور (وأعوذ بالله من أن أزكي نفسي).

قالوا: فما هي أفضل الكتب النحوية في المراحل التالية؟

قلت: فإذا استوعب الطالب مقدمة من المقدمات ذوات المستوى المطلوب استيعابا، أقبل على كتب أئمة النحو المتأخرين ما احتاج إليه وسمحت له ظروفه من أمثال "شرح قطر الندى"، و"شرح شذور الذهب" و"مغني اللبيب"، لابن هشام، وشرح ابن عقيل للألفية، و"المفصل" لجار الله الزمخشري، وشرحه لابن يعيش الموصلي، وكتاب "المقتصد" لعبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي. 

ومن أراد أن يتخصص في النحو فعليه بكتب ابن جني والمبرد وغيرهما من أئمة هذا الشأن، وآخرها "الكتاب" لسيبويه، والذي لم يؤلف مثله لا في الإسلام وحده، بل في تاريخ البشرية جمعاء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين