الذوق في حياتنا مختصر في الآية

ما هو الذوق وما أهميته ؟:

الذوق إحساس داخلي معنوي ، يدعو صاحبه إلى استشعار أحوال الآخرين ومراعاة ظروفهم ، ويقصد به إدخال السعادة إلى نفوسهم ، فضلاً عن تجنّب إحراجهم أو الإثقال عليهم، أو إيذائهم بالقول أو الفعل .

وللذوق أهمية كبرى في التعامل مع الناس وكسب تقديرهم والظفر بمحبتهم والقرب من نفوسهم ، وتلك أمور يحتاجها كل فرد بحكم تكوينه الإنساني وفطرته البشرية ووجوده الاجتماعي .

وإن اتّصاف الإنسان بالذوق يدل على كمال في العقل وبعد في النظر ، وسلامة في التربية واعتدال في المزاج ، ونباهة في النفس ونضج في المشاعر الاجتماعية ؛ لذا كان من الأهمية بمكان تأصيل فنون التعامل بين الناس ، بشفافية ، ولطف وذوق، وحسن خلق .

مترادفات كلمة الذوق:

لكلمة الذوق مترادفات عديدة منها : اللباقة، واللطف، والنباهة، والحكمة، والحذق، والكياسة، والفِطْنة، والرفق، وشفافية التعامل، وتقدير الآخرين واحترامهم.. ويجمع ذلك: أن صاحب الذوق يتصف بذكاء في القلب ، وطلاقة في الوجه وملاطفة في الكلام ، ومجاملة صادقة في التعامل وبعد عن الخشونة والفظاظة وسوء الخلق ...

اهتمام القرآن والسنة بالذوق وتأصيله شرعاً:

إن المتتبع للنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ، ليُسَرُّ من غزازة النصوص التي تدعو المسلمين إلى تحرّي الذوق والتعامل به ومراعاته في جميع شؤونهم ومعاملاتهم ، حتى في علاقاتهم وصلاتهم مع غير المسلمين .

ومن هذه النصوص قوله تعالى: في الآية / 83 من سورة البقرة : ( وقولوا للناس حُسْناً ) وجاء في الآية / 159 من سورة آل عمران قوله تعالى: ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) .

ومن هذه النصوص أيضاً قوله تعالى: في الآية / 19 من سورة الكهف: ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطَّف ولا يشعرنّ بكم أحد ).

ومعنى قوله : ((وليتلطف )) : ليكن رقيقاً لبقاً ، غير فظ ولا خشن في تعامله مع الآخرين ، وهذا هو معنى الذوق الذي ينبغي أن يستحضره الناس فيما بينهم ، في تسليمهم على بعضهم، وفي لقاءاتهم، وزياراتهم، وبيعهم، وشرائهم، واختلاطهم، وافتراقهم، وسائر أحوالهم .

أما تأصيل الذوق في السنة النبوية ودعوتها إليه فما رواه أبو داوود والحاكم أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال لأصحابه وكانوا عائدين من سفر : ( إنكم قادمون على إخوانكم ، فأصلحوا رحالكم و أحسنوا لباسكم ، حتى تكونوا شامة في الناس ، فإن الله لا يحب الفحش والا التفحش ) .

ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخان أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ( ما عاب طعاماً قط إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه وقال لا أشتهيه ) . أي: لا يقول : إني أكرهه أو لا أحبه ؛ مراعاة لمشاعر من يحب هذا الطعام ويأكله .

الذوق من أمهات الفضائل ومفاتيح الخير:

أولى الإسلام صفة الذوق مزيداً من الرعاية والعناية والاهتمام ، فهو قد حثّ عليها ورغّب فيها وجعلها من مكارم الأخلاق ومفاتيح الخير ، ورتّب الأجر والثواب عل استحضارها حال الاتصال بالناس والاختلاط بهم والتعامل معهم ؛ لأنها تحقق في النهاية معنى التودّد لهم والتلّطف والرفق بهم والإحسان إليهم .

روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال : سمعت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول: ( من يُحرَم الرفق يحرم الخير كله ) ، والرفق وللطف والذوق ألفاظ مترادفة تدور حول معنى واحد سبق بيانه .

وروى مسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ).

أسباب فقدان الذوق في بعض المواقف:

مع كل ما تقدّم من حثّ الإسلام على الذوق وأمره الناس بالتعامل به ، نرى صفة الذوق مفقودة في مواقف ومناسبات كثيرة في حياتنا، وفي تصرّفاتنا الشخصية، والأسرية، والاجتماعية .

ولعلَ من أبرز الأسباب لهذه الظاهر السلبية: غياب بعض معالم التربية الإسلامية عن كثير من أفراد الجيل المعاصر ، الذي نرى عيّناته أمامنا صباح مساءً .

ومن هذه الأسباب: انحسار القدوة الحسنة، بدءاً من والد يتجاهل التسليم على جيرانه عند ما يقابلهم وجهاً لوجه ، إلى أم تهمل أبناءها الصغار فيخرجون إلى الناس في ثياب ووجوه ملطخة بالاوساخ ، ورؤوس ثائرة الشعور .... إلى مدّرس يتصرف بفظاظة وغلظة مع تلاميذه وطلابه ، إلى داعية لا ينتبه إلى مظهره وهندامه ، ودقّة كلامه واختيار ألفاظه .

ومن الأسباب أيضاً: الانصياع للطبائع الخاطئة الموروثة المتأثرة بالبيئة الجعرافية أو الاقليمية أو المهنية أو الغذائية، ولو أدّى هذا إلى تجاوز حدود اللباقة والخروج على الذوق العام .

ومنها: سلبية بعض الجهات والمؤسسات الخاصة والعامة، وذلك بتقصيرها في تبنّي هذه المعاني الأخلاقية والاجتماعية السامية والدعوة إلى ممارستها ، وعدم معالجتها لما يخرج من هذه القيم ، بل ربّما أسهمت بغير قصد في نشر أضداد هذه المعاني والقيم ، ممّا يترتب عليه تعميق انحسار الذوق في التعامل الشخصي والاجتماعي والأسري ، وهو ما يلاحظ أحياناً في بعض وسائل الإعلام من صحف ومجلات ، في مقابلات أو نقل أخبار أو عرض إعلانات أو دعايات ، أو تجاهل معالجة بعض المواقف والتصرفات الخاطئة التي يقع فيها كثير من الناس ، من مثل إلقاء المناديل في الطرقات وعبر نوافذ السيارات، أو إيقاف بعض الأفراد سياراتهم وسط الشوارع، وعلى أبواب المساجد وفي المواقف بطريقة تعيق حركة السير، أو تمنع الآخرين من الدخول إلى سياراتهم أو التحرّك بها ...

يضاف إلى ما تقدم: عدم التفات كثير من رجال التربية والتعليم والتوجيه الديني إلى تضمين مناهجهم ومحاضراتهم وخطبهم ومواعظهم فنون التعامل الذوقي والطريقة المثلى لمخالطة الناس بلطف وشفافية وإحساس مرهف.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين