الخفيف .. الثقيل

- أنزل الله تعالى علينا (قولاً ثقيلاً)، وجعله سهلاً ميسوراً (ولقد يسَّرنا القرآن للذكر)، في مشهد جمع لنا فيه سبحانه بين العمق والبساطة، وبين الجزالة والسهولة، وبين الرسوخ والمرونة، وبين القوة واللين .. وهكذا ينبغي أن نكون.

- الخفيف الثقيل هو من يترك بسمة (خفيف) وبصمة (ثقيل) حيثما كان.

- كن خفيفاً (لا سخيفاً) من المرونة والسهولة وقلة الكلفة .. لا من الطيش والسخافة وقلة الاعتبار.

من صور الأوزان الخفيفة المطلوبة:

1. خفة الروح والدم (صاحب دعابة مشروعة).

2. خفة السؤال والطلب (عند الحاجة بلا إلحاح).

3. خفة الحركة وسرعة الإجابة (بمبادرةٍ قبل فوات الفرص). 

4. خفة التكليف للآخرين (بمراعاتهم عند الإمامة والقيادة).

5. خفة الأكل والنوم (باعتدالٍ يميل إلى التقليل).

6. خفة العرض وتبسيط الوعظ (بعدم الإطالة وبتسهيل المفاهيم).

7. خفة النشاط والعمل (بالحذر من الحاسدين والحاقدين).

8. خفة الحمل من الأوزار والذنوب (بترك الكبائر والتوبة من الذنوب).

9. خفة الوزن وترك البدانة (بالحمية والصيام والرياضة).

10. خفة المسؤوليات (بترك التشوق للتصدر واحتكار المواقع، وبالحرص على توريث الخبرات).

11. خفة النهوض لنصرة المستضعفين (بعدم التثاقل إلى الأرض).

- كن ثقيلاً (لا بليداً) من المهابة واحترام الذات وعلو القيمة .. لا من البلادة والتناحة وصعوبة الفهم والحركة.

ومن صور الأوزان الثقيلة المحمودة:

1. ثقل في الاستجابات كلها (عند دواعي الأهواء والإغواء).

2. ثقل في المنطق والأسلوب (عند مجالس الفاهمين والعلماء).

3. ثقل في المعاملة والسلوك (عند مجالس الأمراء والأغنياء).

4. ثقل في ردود الفعل (عند دواعي الاستفزاز الرعناء).

5. ثقل في مراعاة العادات والخصوصيات (في بلاد الغرباء).

6  ثقل في الفكر والأثر (حيثما حللت وارتحلت).

ولا بد من الجمع بين الأوزان كلها في التربية والدعوة وعند الحوار والإلقاء .. حيث تحقق قيمة الخفة في (أسلوب) طرحك وتوجيهك .. والثقل في (مضمون) ومحتوى ما تختاره للناس مما يحتاجونه من مبادئ وقيم وتوجيهات.

- الحرص على تخفيف الوزن بشتى الطرق الصحية ضرورة .. لما يتيحه لك الوزن الأقل من قدرة على الحركة والتنفس .. ولكن بقدر حاجتنا للتخفف من الأوزان المادية الثقيلة فإننا بحاجة إلى التخفف من الأوزان المعنوية التي كسرت ظهورنا، ومن ذلك:

1. الديون التي أثقلت كواهلنا وأتعبتنا.

2. الذنوب والمعاصي لاسيما إن كان فيها شيء من الظلم للناس أو ما يسمى بالسيئات الجارية (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم).

3. الشبهات التي عشعشت في عقولنا.

4. العادات التي أصبحت جزءاً من حياتنا (لزوم ما لا يلزم من أعمالنا).

5. الماضي المحمل بالتناقضات والانفصامات والاختلالات والوهن والتقصير (إنَّ هولاء يحبُّون العاجلة ويذرونَ وراءهم يوماً ثقيلاً).

- بلغ التعب والإرهاق لأصحاب الأوزان الثقيلة مبلغه حتى أنهم أخذوا قرارات بإجراء (روجيم) شديد متعب .. أو حتى بإجراء عمليات قصٍّ أو ربط للمعدة .. وهذه العمليات على أهميتها وخطورتها لا تساوي شيئاً في مقابل ما نحتاجه كلنا من إجراء عمليات قَص أو ربط لألسنتنا وأيدينا عن الحرام، وعن إيذاء خلق الله تعالى .. ذلك أنها هي المتسبب الأكبر في هلاكنا.

- كلما كان المرء سهلاً خفيفاً في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه؛ أكرمه الله تعالى بالتخفيف والتيسير .. ومن شدد فإنما يشدد على نفسه (ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة).

- للأوزان قيمتها عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن عن أي أوزان كان يتكلم:

1. "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجةَ صاحب الصوم والصلاة" (رواه الترمذي).

2. "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" (متفق عليه).

3. "إن الله سيُخلص رجلاً من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشُر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ، كل سجِلٍّ مثل مدِّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب! فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب! فيقول: بلى! إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلاّت؟ فقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفّة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلاّت، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء" (رواه الترمذي وابن ماجه).

- ينهض المسلم لطاعة ربه بخفة متناهية .. في حين يجد المنافق ثقلاً عند الطاعة والعبادة، قال تعالى في المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى? يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء: 142).

وختاماً: 

قد لا يحسن المرء تقييم أوزان الناس والمواقف والكلمات والأعمال في الدنيا .. فيثقل في عينه ما هو خفيف أو يخفّ ما هو ثقيل .. ولكننا على موعد مع رب عدلٍ ذو ميزان حساس .. لا يفلت من ميزانه شيء .. (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّ‌ةٍ خَيْرً‌ا يَرَ‌هُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّ‌ةٍ شَرًّ‌ا يَرَ‌هُ) (الزلزلة:7-8) .. فنسأله تعالى أن يثقل موازيننا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين