صلاة التراويح ليست فريضة

قالوا: قد ظهر قبلنا ناس ينكرون على من لم يحافظ على صلاة التراويح إنكارا شديدا.

قلت: هذا الإنكار غلو في دين الله تعالى وتشدد في غير محله، فارفقوا بالناس متسامحين محببين إليهم الدين، وإياكم أن تشدّدوا في أمر من أموره مغالين فيه ومنفري الناس منه، فتلك سمة أهل الضلال الخوارج والمبتدعين.

قالوا: ما حكم صلاة التراويح؟

قلت: هي سنة مثل رواتب الليل والنهار.

قالوا: ما الغلو الذي أردت به؟

قلت: الغلو مجاوزة الحد، وهي أن تزيدوا على قدر الشيء كيفا أو كما، فمعاملة التطوع معاملة السنة، أو معاملة السنة كالفرض، أو وضع المباح موضع المكروه، والمكروه موضع الحرام، من الغلو في دين الله تعالى، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على السداد والمقاربة، ونهى عن الغلو، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري: "سددوا وقاربوا واغدوا و روحوا، وشيء من الدُّلجة، والقصد القصد تبلغوا". وقال صلى الله عليه وسلم كما أخرج النسائي وابن ماجه:" يا أيها الناس!إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين". 

قالوا: ما دليلك على أن صلاة التراويح ليست بفريضة؟

قلت: إن الله لم يأمر بها في كتابه، ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما سئل عن الصلوات المكتوبة اقتصر على الصلوات الخمس دون أي صلاة أخرى في الليل والنهار، بل ترك النبي صلى الله عليه وسلم المواظبة عليها مع الناس خشية أن تفرض عليهم، فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته أناس، ثم صلى في القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "قد رأيتُ الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم". وقال الإمام النووي : "صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء. (المجموع 4/31).

قالوا: من الناس من يجادل غيره في عدد ركعاتها ويشدد فيها تشديدا.

قلت: الذي أفضله أن التراويح عشرون ركعة (لدليل ليس هذا موضع بيانه)، ولكن لا بأس في الزيادة عليها والنقص منها، وقد ذهب العلماء قديمًا وحديثًا إلى الترخص في الأمر، وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صلاة الليل ما ترى فيها؟ فقال: "صلاة الليل مثنى، مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى"، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مثنى مثنى، وأنها على نشاط المصلي والوقت المتوفر لديه.

قال الإمام ابن تيمية :"والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد عشرين ركعة، أو كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره . (الاختيارات ص 64).

وقال السيوطي :الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها .

وقال ابن حجر الهيتمي: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وما ورد أنه كان يصلي عشرين ركعة " فهو شديد الضعف . (الموسوعة الفقهية 27 / 142 – 145 ).

قلت: المنكر الشنيع هو ما يفعله بعض الناس من السرعة العظيمة في القراءة، والركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين، والتشهد، فليس همهم إلا العدد، وبذلك يتلاعبون بالقرآن، ويهملون الطمأنينة، ومن يشك في حرمته، فليس مرمى هؤلاء الناس إلا سرد عدد الركعات، وقد غيروا المقصود، وصرفوا الطاعة إلى شكل مجرد وصورة محضة، فالمقصود من صلاة التراويح هو القيام لله تعالى ذاكر له ومرتلا كتابه ومتدبرًا آياته في خشوع وقنوت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل".

قالوا: فما توصينا؟

قلت: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وتحبيب دينه إلى الناس في رفق وسماحة، وإياكم الجدال في الدين والمراء فيه، أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أبغض الرِّجال إلى الله الألَدُّ الخَصِم، وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ماضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، ثم قرأ: {ماضربوه لك إلا جدلا}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين