كلام فيه نظر مع الشيخ جابر العلواني

كلام فيه نظر
مع الشيخ جابر العلواني

الشيخ : أبو الطيب سالم


لأن برنامج (الشريعة والحياة) الذي تتفضل به قناة الجزيرة برنامج له مكانته في تكوين ثقافة المسلم المعاصر، وقد أعطته الإطلالة المتواترة للشيخ يوسف القرضاوي من خلال نافذته أبعادا أكثر مصداقية في عقول المسلمين وقلوبهم..
ولأن الشيخ (جابر العلواني) حفظه الله، هو أحد علماء الإسلام الثقات، وعضو المجامع الفقهية الإسلامية الذي ينبغي أن يُحمل كلامه على ما يليق بمكانته في مقدمة علماء العصر...
ولأن الشيخ نفسه في سياق لقائه المذكور الذي كان على قناة الجزيرة في 28/2/2010. قد وضح أن العالِم قد يقول كلاماً وهو لا يريد معانيه المباشرة....
لأجل هذا كله نسجل هذه النظرات، لنضع تحت النظر والتأمل والمراجعة بعض الكلمات التي مرت على لسان الشيخ (جابر العلواني) في الحلقة المومى إليها،  وهي لا يمكن أن تحمل على ظاهرها. بل من الضروري أن يعاد التنبيه عليها وتوضيحها لئلا تكرس أو ترسخ في أذهان جمهور من المتلقين وطلاب العلم ممن يعتزون بالشيخ جابر و ببرنامج الشريعة والحياة..
في إطار مناقشة الشيخ للقول المنسوب للإمام الأوزاعي، كما أفاد هو، السنة قاضية على الكتاب، واعتذاره عن الإمام الأوزاعي، بالتوضيح وردت عبارة أن القرآن الكريم ليس فيه (غموض وليس فيه إبهام وليس فيه إشكال وليس فيه تشابه وليس فيه إجمال...) ثم يقول الشيخ جابر إن هذه المصطلحات كلها إنما ( جاءت نتيجة ظروف جعلت الفقهاء يخضعون لسان القرآن لأحكام لغة البدو وهذا أمر خاطئ قد انتقدهم عليه لغويون وأصوليون..)

ولا نعتقد أن الألفاظ الأولى بدلالاتها اللغوية المفتوحة، وليس أحكام لغة البدو!! يمكن أن تنفى عن القرآن بالسهولة التي يشير إليها الشيخ جابر!! الله سبحانه وتعالى يقول عن القرآن الكريم [اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ...] {الزُّمر:23}  ويقول في موطن آخر [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ..] {آل عمران:7}  فأثبت التشابه في آي القرآن في سياقين بمعنيين فقوله متشابها في الآية الأولى غير قوله وأخر متشابهات كمقابل موضوعي للآيات المحكمات. فبأي معنى يتسنى للشيخ جابر نفي وجود التشابه في القرآن.
ثم بالعودة إلى سلف الأمة سنجد الكثيرين قد ألفوا وصنفوا في غريب القرآن ومشكل القرآن ومتشابه القرآن فهل كان أولئك العلماء يحرثون في الهواء...
أما قول الشيخ جابر بأن القرآن الكريم ليس فيه إجمال فهو الأمر الأكثر إثارة للاستغراب بالمفهومين اللغوي والاصطلاحي، إن نفي وجود الإجمال عن القرآن الكريم يضع المسلم والفقيه المسلم بشكل خاص أمام مشكلة حقيقية. ولا نظن أن حلقة إرشادية إعلامية تتسع لمثل هذا النوع من الخطاب، مع إدراكنا أن الشيخ جابر يملك معاذيره التي يدافع بها عن كل ما قال. أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه أن نقيم الصلاة، [وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ] {البقرة:43} ، [وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ] {البقرة:3} ، واضح أنني سأسأل أي صلاة؟! سأسأل عن العدد والطريقة والوقت، وكذا تقول في جميع الأحكام التكليفية تقريبا. أحب أن أترك للشيخ نفسه أن يبين مراده، مع أنه واضح لي تماما أنه لم يرد أبدا إقصاء السنة المطهرة أو استبعادها.
ثم يمضي الحديث شوطا آخر مع الشيخ جابر ليفجؤنا بكلام يشتم منه إنكار حاجة القرآن الكريم إلى  علوم التفسير، ويذهب إلى أن التبيين الذي أنيط بالرسول الكريم في قوله تعالى: [لِتُبَيِّنَ لَهُمُ] {النحل:64} ؛ يرى أن التبيين في السياق ينصرف إلى التفعيل. ويسترسل الشيخ في السياق ذاته ليقول (... أما التفاسير فمن المؤسف أن لدينا ما يسمى بالتفسير العقلي والتفسير الإشاري والتفسير الموضوعي والتفسير البياني وتفاسير كثيرة جدا والفلسفي وسواها. وكل هذه التفاسير مع الأسف أنها قد تحولت إلى حاجز بين القرآن وبين المسلمين، ولو علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا القرآن يحتاج إلى تفسير غير العمل وغير القرآن لفسر القرآن.. )
وهذا كلام خطير يحتاج المراد منه إلى تفسير وتوضيح من الشيخ جابر. هل حقاً هو ينكر حاجة الأمة لعلم التفسير بأنواعه لتقترب من كتاب ربها، هل العلماء الذين بذلوا جهودهم على مدار خمسة عشر قرنا ليرتقوا بنا إلى آفاق القرآن الكريم كانوا يبنون جدارا عازلا بين الأمة وكتاب ربها؟!
وقبل هذا والأخطر منه هل الشيخ جابر من الذين يعتمدون هذه القاعدة في (الاستنباط) لو كان القرآن الكريم محتاجاً إلى تفسير لفسره رسول الله. نفس المنطق الذي واجه سيدنا أبا بكر يوم جمع (المصحف) قالوا: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أظن أن هذه الطريقة في الاستنباط أو بالأحرى في الإغلاق على كل اجتهاد شرعي أو علمي أو مدني مما لا يتوافق أبدا مع المنهجية المنفتحة للشيخ جابر العلواني بالذات !! وكان منهج الإغلاق المحكوم بقاعدة: كيف تصنع شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ، لو ساد ، ليمنعنا من تدوين العلوم وفتح خزائن العقول بل كان سيمنع المسلمين من تدون الدواوين، وصك النقد، وبناء أركان الدولة!! هل نستطيع أن نقول إن الأمة غير محتاجة إلى علم الفقهاء واستنباطاتهم واجتهاداتهم وتجديداتهم، وإذا كانت بحاجة إلى كل ذلك ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتبويب أبواب الفقه للناس بالمنطق نفسه.
نحن لا نظن أن الشيخ جابر، ينكر حاجة القرآن الكريم إلى التفسير. ولا ينكر على المفسرين الكبار من علماء الأمة جهدهم المشكور في خدمة كتاب الله..
ولا نظنه ينكر أيضاً أن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فيه دلالة واضحة على أن (التأويل) وهو التفسير بمعنى من المعاني على أهمية وضرورة علم التفسير. حتى أطلقت الأمة على ابن عباس ترجمان القرآن..
والمحطة الثالثة.. في حديث الشيخ حفظه الله أنه حين سئل عن مدرستين من أدعياء العلم، مدرسة تقول بأن السنة قاضية على الكتاب وأخرى تقول بالاستغناء بالكتاب عن السنة. وازى في النقاش والحوار بين المدرستين. مع أن الحديث عن المدرسة الأولى هو حديث عن وجود متوهم، فلا نظن أحداً من المسلمين يضع السنة المطهرة في مواجهة القرآن الكريم. وبدعة مثل هذه لا وجود عملي لها في حياة المسلمين، ولم يفت الشيخ أن يشير إلى هذا
بينما البدعة الثانية هي التي سببت وماتزال دعوة غير راشدة في حياة المسلمين، قوم يسمون أنفسهم أهل القرآن. سبق النبي الكريم إلى التحذير منهم بقوله (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل متكئ على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإنما ما حرم رسول الله مثلما حرم الله). نعتقد أن المقام، لولا الاستعجال، كان يقتضي مناقشة مثل هذه البدعة والرد على أهلها، ولا يزال موضوعها مطروحاً على قناة الجزيرة. وربما تكون لها حلقة خاصة يقوم عليها فضيلة شيخنا العلامة يوسف القرضاوي لشيوع مثل هذا المنطق الزائغ لدى شريحة من أبناء المسلمين.
وكما أعتذر الشيخ جابر لغيره من علماء الإسلام نعتذر له وننتظر منه. ومن قناة الجزيرة ومن المشرفين على برنامج الشريعة والحياة توضيحاً كافياً في سياق هذه النظرات.
      والله المستعان وعليه التكلان
       


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين