العــرب .. في عالم الفيتو !

 

لم يكد العالم يسترد أنفاسه من كارثة الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) حتى داهمته حرب عالمية ثانية (1939 – 1945) كانت أدهى وأمر من الأولى 

وهذا ما دفع العالم؛ وبخاصة الدول التى عانت من ويلات الحرب – تتطلع إلى وسيلة تحول دون تكرار هذه الكوارث، وترسي قوعد الأمن والسلام والعدالة في العالم .

وبعد مخاض عسير، ولدت منظمة "الأمم المتحدة" التي فتحت أبوابها للعالم، وبدأت الدول سباقاً محموماً للالتحاق بهذه المنظمة الواعدة .

أما الدول الكبرى التى خرجت من الحرب منتصرة (الولايات المتحدة – الاتحاد السوفياتي – فرنسا – بريطانيا) فقد رأت أنها الأحق بقيادة العالم لما حققته في الحرب من انتصارات، وما تتمتع به من قدرات عسكرية وغير عسكرية، وبدأت تساور هذه الدول مخاوف من ضياع امتيازاتها إذا ما أصبحت كل الدول الأعضاء في المنظمة تشارك في القرارات الدولية، وأصرت هذه الدول على أن ينص ميثاق المنظمة باعتبار "أعضاء دائمين" في "مجلس الأمن" ولم تكتف بهذا الامتياز، بل بدأت تفكر بوسيلة تبقي قرارات العالم المصيرية في أيديها، فأسست حق "الفيتو" وقصرته على نفسها دون بقية أعضاء المجلس غير الدائمين !

و "الفيتو" مصطلح أصله لاتيني يعني "أنا لا أسمح" وهو مبدأ قديم يعود إلى أيام الإغريق؛ إلا أنه اشتهر في العصر الحديث من خلال ممارسات "مجلس الأمن" الذي أساء كثيراً في سمعة هذا المبدأ لكثرة ما تعسف باستخدامه، فكثيراً ما استخدم الفيتو من قبل الدول دائمة العضوية ضد قرارات أجمع عليها بقية أعضاء المجلس، مما جعل "الفيتو" آداة استبدادية تعارض أصول الديموقراطية، ومناقضاً للعدالة التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، ووضع مصير العالم في يد خمس دول؛ تستطيع واحدة منها أن تلغى إرادة العالم كله؛ في انتكاسة مؤسفة إلى شريعة الغاب !

ونذكر من صور التعسف باستخدام الفيتو إفراط روسيا قجداً باستخدامه خلال الحرب الباردة (1947 – 1991) ليس إحقاقاً للعدل، وإنما عناداً ومناكفة لخصمها الولايات المتحدة؛ حتى أصبح وزير خارجية روسيا "أندري غروميكو" يلقب يومذاك بالسيد (نيات) أي الرافض على الدوام !

وفي أيامنا هذه عادت روسيا تمارس الفيتو بإفراط مجحف لحماية النظام الوحشي بزعامة"بشار الأسد" الذي راح يدمر المدن ويقتل المدنيين بالسلاح الكيماوي !!؟

ولا يضاهي الروس في استخدام حق الفيتو سوى الأمريكيين الذين أجهضوا 54 مشروع قرار، منها 36 مشروعاً يدين انتهاكات العدو الصهيوني المتكررة ضد الفلسطينيين والدول العربية !

فهذه الممارسات في مجلس الأمن تظهر بوضوح مدى التعسف الذي يستخدم به حق الفيتو، مما جعل الغيورين والحريصين على السلم الدولي والعدل ينادون بدعوة إلغاء هذا الحق، أو وضع ضوابط جديدة تحول دون التعسف باستخدامه .

ويستند المنادون بالتعديل إلى أن حق الفيتو قد اغتصبته الدول في ظروف تاريخية لم تعد اليوم كما كانت بالأمس؛ فلا يصح أن يبقى منطق القوة يحكم العالم، بل ينبغي وضع آليات جديدة لتحقيق العدل والسلام والاستقرار العالمي، وفي هذا السياق تطرح أفكار عديدة للتعديل على نحو يكفل استخدام الفيتو باتزان يراعي ميثاق المنظمة، ويحول دون التعسف فيه !

اقتراحات :

والخطوة الأولى في الطريق إلى التعديل المطلوب يجب أن تبدأ بتعديل الوضع المقلوب لهيئة الأمم المتحدة التي بات هيكلها التنظيمي هرماً مقلوباً؛ قاعدته مجلس الأمن الذي يضم (5 دول) تتحكم بـ (193 دولة) لم يعد لرأيها أي وزن مقابل رأي المجلس، بل مقابل رأي دولة واحدة فيه، تستطيع – إذا ما أرادت - أن تفرض رأيها على العالمين !

ومع ضرورة التعديل وتزايد المنادين به فإنه ظل يواجه بمعارضة شديدة من قبل الدول دائمة العضوية في المجلس، حرصاً على الامتيازات التي تجعلها فوق العالم، وتعطيها سلطة مطلقة للتحكم بمصير البشرية !!

ويجمع خبراء القانون الدولي أن هذه المعارضة للتعديل غير منطقية، لاسيما في ظروف العالم الراهنة التي تنطوي على مخاطر عظيمة باتت تهدد السلم العالمي؛ كما رأيناها مثلاً قبل أيام في أعقاب استخدام روسيا حق الفيتو ضد مشروع قرار يدين نظام بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق، ما جعل الولايات المتحدة تهدد بعمل عسكري ضد نظام بشار خارج إطار مجلس الأمن، بل خارج إطار المنظمة كلها، ضاربة بالفيتو الروسي عرض الحائط، وهذا ما أغضب الروس، وأثار عاصفة من تبادل التهديدات بين الطرفين وضعت العالم على شفا حرب عالمية؛ في ظروف تعيد إلى الذاكرة مخاوف الحرب النووية التي كادت تنشب بين الطرفين في عام 1962 بسبب الصواريخ النووية التي نصبها الروس في كوبا !؟

إن تكرار هذه الظروف والمواقف التي تنذر بحرب عالمية نووية لا تبقي ولا تذر، تؤكد أنه آن الأوان للتعديل، ومن أكثر التعديلات التي يلح على طرحها خبراء القانون الدولي :

1 – تعديل المواد التي تنظم حق الفيتو، وإعادة تكييف هذه المواد قانونياً بصورة تحول دون استخدام الفيتو لحساب المصالح الشخصية من قبل الدول صاحبة هذا الحق، على حساب الآخرين .

2 - تخصيص مقاعد دائمة في مجلس الأمن للأمم ذات الوزن السكاني المؤثر في العالم، ولاسيما من هذه الأمم :

- العرب ( أكثر من 422 مليون نسمة )

- أفريقيا (1.126مليار نسمة)

- أمريكا اللاتينية (422.5 مليون نسمة)

- الهند ( 1.324 مليار)

- اليابان وألمانيا، اللتان كانتا في الحرب العالمية ضمن محور الشر، لكنهما اليوم تقفان في مقدمة الدول الديمقراطية المناصرة لحقوق الشعوب.

3 - ويصر الخبراء على التعديل لسببين آخرين مهمين :

السبب الأول : أن منظمة الأمم المنحدة قد تأسست ابتداء لإرساء قواعد العدل والسلام في العالم، إلا أن مجلس الأمن حولها بفضل الفيتو إلى ساحة صراع بين بعض أعضائه؛ في استهتار مهين للعدل والسلم في العالم !

السبب الثاني : أن تحقيق العدل فى العالم أمر مبدئي قد أقرته كافة الشرائع السماوية والوضعية؛ وأن العدل أمر فطري تتوق إليه كل الأنفس السليمة .

• فهل يمتلك الكبار الشجاعة الكافية لتحقيق هذا التعديل الذي تتطلع إليها البشرية المحبة للعدل والسلام ؟

• وإلام ينتظر العرب والعالم هذا التعسف بالحقوق ؟!!

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين