تصحيح مفاهيم حول التوكل على الله

كتاب (تصحيح مفاهيم حول التوكل والجهاد ووجوه النصر)، للشيخ عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني رحمه الله، يتناول فيه مؤلفه -بالفهم الإسلامي الصحيح- ثلاثًا من القضايا التي تهمّ الأمة، لاسيما في هذا الزمان، وهي: اتخاذ الأسباب مع التوكّل على الله، والجهاد في سبيل الله، ووجوه النصر التي يكرم الله بها المؤمنين.

وهذا الكتاب أصدرته "رابطة العالم الإسلاميّ" ضمن سلسلة "دعوة الحقّ"، السنة السادسة، العدد (64)، في رجب 1407هـ، آذار 1987م، ويقع في (177) صفحة.وهو في أصله فصول مختارة من كتاب فضيلة شيخنا عبد الرحمن الميداني " بصائر للمسلم المعاصر"

وقد رأينا أنّ من المفيد إعادة نشره، وقمنا بإعداد ملخّص يسلّط الضوء على أهم ما جاء فيه، وإنْ كان الكتاب كلّه جدير بالقراءة المتأنّية، فكأنه يتحدّث عن واقعنا، ويصف أحوالنا، وينبّه على أخطاء بعضنا، رغم أنّه مؤلّف قبل ثلاثة عقود من الزمان.

المقدّمة:

شدّد المؤلف -رحمه الله- في البداية: على أنه لا عذر للجاهل في جهله بأحكام الله التشريعية إذا كان العلم بها ممكنًا عن طريق التعلّم أو سؤال أهل العلم، فمن خالفها كان عاصيًا لله، إذ قصّر في تحصيلها أو تهاون، وهو يعلم بصورة عامّة أنّه يجب عليه تعلّمها.

فمن تصدّى لاستنباط أحكام دين الله أو بيان معاني نصوص القرآن والسنّة وهو غير أهل لذلك فهو عاصٍ آثم، يجني على نفسه وعلى من اتّبعه.

ومن تصدّى لقيادة جيش في معركة حربية وهو غير أهل لذلك فهو آثم، ويتحمّل عند الله تبعة كل أخطائه التي يرتكبها، وما تجرّ هذه الأخطاء على جيشه أو أمّته.

كذلك من تصدّى للقضاء أو الفتوى أو أي عمل يترتب على الأخطاء فيه أضرار شخصية أو عامّة أو إزهاق لأرواح الناس أو مخالفة لشرع الله فلا يجوز أن يتصدى لها إلا من كان أهلًا للقيام بمهمّاتها.

وبيّن: أنّ أخطاءً كثيرة في فهم أصول الدعوة إلى الله وطرائقها وشروطها وأركانها وأسبابها، أو في فهم شروط الجهاد في سبيل الله وأركانه وأسبابه ومراحله، تُوقع في نتائجَ هي على عكس المطلوب تمامًا. وكذلك هي الأخطاء في فهم وجوه نصر الله لعباده المؤمنين، فهي تورث لدى الجاهلين شكًّا في وعد الله، وخيبة أملٍ، وقد تورث -والعياذ بالله- ردّةً عن دين الله.

وأضاف: "ولتصحيح مفاهيم كثيرٍ من العاملين والعاملات في ميادين الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، حول التوكّل على الله واتخاذ الأسباب، وحركيّة الجهاد، ووجوه النصر، وعدم الاعتماد على الخوارق والمعجزات، كُتبت فصول هذا الكتاب، فهمًا من كتاب الله وسنّة رسوله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وسيرته.

 1. الفهم الإسلاميّ الصحيح لقضيّة اتخاذ الأسباب مع التوكّل على الله

التوكّل على الله وظيفةٌ إيمانيّةٌ قلبيّةٌ اعتقاديّةٌ، واتخاذ الأسباب وظيفةٌ عمليّةٌ، فما يرجو الإنسان من شيءٍ، أو يُؤمر به أو يُنهى عنه من أمور دينه، فعليه أن يتخذ له الأسباب الموصلة إليه، ضمن شروطها ومقاديرها المعهودة في نظام الكون، أو نصوص التكاليف الشرعيّة، والقاعدة الأصوليّة تقول: (ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجبٌ).

ومن الأسباب التي يجب اتخاذها: الأسباب المادّيّة التي يكتشفها الناس بوسائلهم العلميّة والتجريبيّة، والمخططات الفكرية لحركة التنفيذ، والدعاء والالتجاء لله والإلحاح عليه والتضرّع إليه.

دافعا اتخاذ الأسباب:

الأوّل: الانسجام مع سنن الله التكوينيّة، وذلك بالسير وفق أحكام الله وقوانينه التكوينيّة القدريّة.

الثاني: طاعة الله في أحكامه التشريعيّة، فالله أمر المؤمنين بأن يتخذوا الأسباب التي جعلها في كونه وسائلَ لتحقيق مطالب الدنيا، ولتحقيق ثواب الآخرة.

أثر التوكّل على الأسباب:

متى صحّ إدراك الفرق بين التوكّل على الله، وبين اتخاذ الأسباب، والتُزم بالواجب في كلٍّ منهما، كان التوكل على الله ممدًّا بقوّةٍ معنويّةٍ عظيمةٍ، تضاعف القوى المادّيّة العاملة أضعافًا كثيرةً.

والناس أمام سنن الله التكوينيّة وأحكام تكاليفه الدينيّة التشريعيّة على أقسامٍ:

الأول: قسمٌ اتخذ الأسباب التي دلّت عليها أحكام سنن الله التكوينيّة فحقّق الله له من النتائج ما تعطي هذه الأسباب في نظامها التكوينيّ، ولو لم يكن مؤمنًا.

الثاني: قسمٌ اتخذ الأسباب التي دلّت عليها أحكام سنن الله التكوينيّة، وأضاف إليها طاعة الله في أحكام تكاليفه الدينية التشريعيّة حول الموضوع نفسه، فحقّق الله له نتائج أفضلَ من القسم الأول.

الثالث: قسمٌ اتخذ الأسباب الكونيّة، وأطاع أحكام التكاليف الدينيّة، وأضاف إلى ذلك صدق التوكّل على الله، فهذا هو القسم الأسمى، ويعطيه الله نتائج أجلّ وأعظم.

أثر الغلط في باب التوكّل:

كثيرًا ما يقع الناس في الغلط في باب التوكّل، حتّى مِن قادة العمل الإسلاميّ، وذلك بسبب سوء فهمهم لأحكام الله ولدينه، ويريدون مع ذلك أن يتقبّل الله أغاليطهم، ويخالف سننه التكوينية وقد عاندوها، وأحكام تكاليفه التشريعية الدينية وقد عصوها!!! زعمًا منهم أنّهم كانوا صادقين في التوكل عليه.

ويجد مرتكب الأغاليط نفسه بعد ذلك يتحمّل تبعات أغاليطه، وقد يتحمّل غيره معه ذلك، وقد تحلّ الكارثة بجمهور ٍكبيرٍ من المسلمين نتيجة هذه الأغاليط. وهنا تأتي وسوسة الشيطان، بالتشكيك بالله، أو بعدله، أو بحكمته، ويقع الناس بذلك في محنة وبلاء هما أشدّ مما كانوا عليه من قبل.

المصدر : موقع على بصيرة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين