سبيل الوقاية من التحرش الجنسي

 

يولع بعض الناس اليوم بترويج نظرية، هي في الأساس غربية ، لكن لها في شرقنا المسلم آذان صاغية وقلوب واعية ، تقول هذه النظرية : إن توفُّر الشيء لديك بكثرة يقلل من رغبتك فيه... وإقبالك عليه... وإن التخلية بينك وبينه يبسِّطه لديك... ويهونه عليك... كما أن منعك منه حقيقة أو حكماً عبر القوانين الشرعية أو الوضعية أو بالقوة يوجد فيك الفضول، ويدفعك إلى تحصيله بطرق مشروعة وغير مشروعة، حتى لقد قالوا : كل ممنوع مرغوب . 

وراحوا يطبقون هذا على قضية الجنس، وما يتعلق به من تصرفات، وما يصحبه من خروج عن الجادة السليمة ، فقالوا : إن سبب التحرش الجنسي وازدياد نسبه حول العالم إنما هو الحظر والمنع من ممارسته، والتضييق على الراغبين في تحصيله، والفصل بين الجنسين ... في أماكن العمل وميادين التواصل ....

يا أخي خلوا بينهما، وحطموا القيود، وارفعوا الحواجز، وعطلوا سلطان والعادة والعرف والمجتمع . .. وعندها ستقل نسبة التحرش الجنسي ... . 

فهل هذا الكلام صحيح أيها الإخوة ... وهل يصدق الواقع هذا التحليل ويعضد هذه النظرية ...؟ أبداً. 

إن من يتابع نشرات الأخبار ويتجول في وسائل التواصل يسمع من حوادث التحرش الجنسي في الغرب ما يشعره بالاشمئزاز ويدفعه إلى الاستغراب ... فهناك لا قيود على الجنس، ولا ضوابط لتحصيله ... والأمر في متناول كل أحد ... فهل حال ذلك الحلُّ بينهم وبين التحرش الجنسي ... وهل حفظ ذلك للمرأة خصوصيتها، وبذل لها حرمتها ؟ بالتأكيد لا . 

إن الطريق المثلى في تكريم المرأة، وعدم التحرش بها، الامتثالُ إلى القانون الرباني القائل : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30. 

فغض البصر يغض من هوى النفس، ويكبح من جماحها، ويقلل من غلوائها تجاه المحرمات ... كما أن إطلاق البصر وإرساله في كل مكان وإتباعه كل امرأة سيتعب المرء، ويدفعه إلى طلب تحصيل الممنوع بطريق مشروع وغير مشروع ، لذا قال عليه الصلاة والسلام : "يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ" ، رواه الترمذي ، وفي بعض مراحل الحج النبوي في حجة الوداع كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ بِيَدِهِ إِلَى الشِّقِّ الآخَر.

ذلك لأن النظرة تفعل في قلب صاحبها ما يتعبه ويضنيه ، وما أحكم قول الشاعر : 

كـل الحوادث مبداها من النظـــر *** ومعظم النار من مستصغر الشـرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلا قوس ولا وتـــــــر

والعبــد ما دام ذا عين يقلبــــــها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر

يسـر مقلته ما ضـر مهجـتـــــــه *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضــــــرر

أحبتي في الله : 

النفس البشرية لا يُشبعها في العادة وجود الشيء وكثرته ... وبسطته ووفرته ... ولا يخفف من سعارها كثرة ما ترغب فيه ... نعم ... قد تعهده لفترة معينة ... ولكن تعاودها الرغبة من جديد عند أول حالة نشاط ... فما الحل إذن !!! . 

الحل ضبطها .... التحكم بها ... السيطرة عليها ... سياستها بأحكام الشرع ... كبح جماحها .... أخذها بالحزم . 

والنفس راغبة إذا رغبتها *** وإذا ترد إلى قليل تقنع 

الأمر إليك ... والحل بين يديك ... لا تخضع لنفسك واجعلها من تنقاد لك وتخضع إليك ... فإنك ستسعد، وترتاح، وتسلم في دينك وعرضك .... وفي المثل قديماً : إنْ يزِينك لَنفسُك، وإن يَشينك لهي .... وقال البوصيري : 

والنَّفْسُ كالطِّفْلُ إنْ تُهْمِلُهُ شَبَّ عَلَى حُبِّ الرِّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

فاصْرِفْ هَواها وَحاذِرْ أنْ تُوَلِّيَهُ إنَّ الهَوَى ما تَوَلَّى يُصْمِ أَوْ يَصِمِ

وَراعِها وهِيَ في الأعمالِ سائِمَةٌ وإنْ هِيَ اسْتَحَلَتِ المَرعَى فلا تُسِمِ

كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةً لِلْمَرْءِ قاتِلَةً مِنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ

النفس لا تقول لك لشيء عرضته عليها : لا ... لا ترد ما تقدمه إليها من متعة ولذة ... ولا تمل من تحصيل الشهوات ... فهي كالنار تلتهم كل ما يقذف فيها ويرمى إليها ...

وما أجمل وأدق توصيف النبي صلى الله عليه وسلم للنفس حين قال : «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ».

وخالِفِ النُّفْسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمِا وإنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ

وَلا تُطِعْ منهما خَصْماً وَلا حَكَماً 

فأَنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ

اللهم قنا شر أنفسنا وشر العداة يا رب العالمين .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين