هل تنتقل القوامة للزوجة إذا كانت هي المنفقة على أسرتها؟

 

هناك من وجه لي سؤالاً حول ما قاله أحد الشعراء ورواد المسرح - والذي أُكنُّ له كل احترام وتقدير - في لقاء معه عن المقصود بكلمة "الرجال" الواردة في قوله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء ) فقال : 

( الرجال هنا من الرجلة أي كل من يسعى على الآخر سواء كان من الذكور أو الإناث ، ومعنى الآية إن القوامة هي للسعات على القواعد ، فمن قعد في بيته فهو من النساء سواء كان ذكراً أو أنثى ) .

#الجواب :

هذا التفسير ليس دقيقا لعدة أسباب :

1- الشاعر الكريم حصر معنى الرجولة الواردة في الآية بالسعي والإنفاق على الآخر ، ولكن الآية الكريمة عللت كون القوامة للرجال بعلتين وليس علة واحدة فقال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) وقد غاب عن الشاعر العلة الأولى المذكورة في الآية وهي : " بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ " فالتفضيل هنا تفضيل في القدرات والكفاءات في إدارة شؤون الأسرة والتي في الغالب ما تكون في الرجال الذكور أقوى من النساء ، فالرجل بطبيعته المفكرة لا المنفعلة يغلب فيها جانب العقل على العاطفة، وأقرب إلى تحكيم النظر العقلي في الأمور منه إلى الاستجابة للعاطفة، أما المرأة فهي - في الغالب الأعم - أقرب في معظم حالاتها إلى الاستجابة للعاطفة ومتطلباتها، وأيضا فإن المرأة تعتريها حالات خاصة من الحمل والحيض والولادة وسن اليأس، تتسبب عنها متاعب صحية ونفسية، تنتهي بها إلى أنواع من عدم الاستقرار المزاجي والنفسي، تكون فيها بعيدة شيئا ما عن النظرة العقلية المتوازنة الهادئة إلى الأمور .

وكذلك ما يمتاز به الرجل من القدرة على الجلد والتحمل في معاركة مصاعب الحياة وتقلباتها : فهو أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت، بل إن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغباتها، بل تحتقره بفطرتها ولا تقيم له أي اعتبار .

2- إن القوامة اذا كانت للساعي على الآخر بسبب النفقة فقط ، فهذا يتبعه كون العصمة بيده فهو الذي له الطلاق والرجعة والخلع والمحاسبة أمام القضاء إذا قصر في الإنفاق، وله كذلك حق الولاية في النكاح وغيرها من الأحكام المناطة بالولاية ، وهذا يفتح الباب لتغيير أحكام الأحوال الشخصية من أساسها .

وقد تكون للزوجة من القدرات والكفاءات ما تفوق به زوجها ولكن هذا لا يجعل القوامة تنتقل لها لأن أحكام الشرع هي لا تتعلق بالحالات النادرة ، ولأننا إذا نقلنا القوامة لها سنكلفها ما يرهقها مقابل ذلك من وجوب الإنفاق والسعي في طلب الرزق وغير ذلك مما ذكر سايقا.

3- إذا استطاع الشاعر أن يفسر كلمة الرجال في آية ( الرجال قوامون على النساء ) بأنهم الرجلة الساعون سواء كانوا من الإناث أو الذكور ، فما الحال عندما يكون السعي من كلا الطرفين وقد يكون دخل كل واحد متفاوتاً عن الآخر فلمن تكون القوامة هل يصح مناصفتها بينهما يوم له ويوم لها أو يومان له ويوم لها بحسب نسبة الدخل ؟؟ !!!

وهذا غير ممكن لأنها لن تنضبط على الإطلاق ويؤدي ذلك إلى نزاع طويل بين الطرفين في حساب نسبة المدة التي يحوز فيها كل منهما مدة القوامة .

4- لن يستقيم هذا التفسير مع قوله تعالى: ( ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة ) فهذه الدرجة هي درجة القوامة : فالآية صريحة في أن المراد في الآية هم الذكور لأن السياق جاء في معرض النساء المصرح بهنّ بلفظ التأنيث الخاص بهنّ في قوله : ( ولهنّ ) ، ولكن طبعاً مع الأخذ بالاعتبار ما ينبغي أن يفعله الذكر من مسؤوليات منوطة به تجاه زوجته وأولاده ، فالقوامة له تكلي، القوامة على الأسرة في الإسلام قوامة رعاية وإدارة، وليست قوامة هيمنة وتسلط؛ ولا تعني إلغاء دور الزوجة وعدم مشورتها أو مشاركتها الفعالة في إدارة شؤون الأسرة والبيت .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين