الحجاب ....وحرب متجددة عليه

كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن الحجاب ، وتناوله بعض الناس في وسائل التواصل ما بين مؤيد ومعارض، وقامت دعوات – حتى بين النساء - إلى نزع الحجاب وخلعه ، ووردتني أسئلة عديدة شفهية وكتابية تنبئ عن احتلال الحجاب مساحة واسعة من حديث الناس في منتدياتهم ومجالسهم ، فرأيت من الواجب أن أفسح له مجالاً فيما أقول وأكتب ؛ نهوضاً بحق العلم الذي أخذه تعالى علينا . 

وجدير بأن تعلم أخي القارئ أننا نتحدث هنا عن الحجاب بمعناه القاصر على ستر شعر الرأس وعدم لبس ما لا يصِف ولا يشِفّ وما إلى ذلك ، ولا نتحدث هنا عن ستر الوجه، وإن كان هو الأولى والأكمل والأفضل؛ لأن فيه خلافاً منتشراً بين العلماء ، والأدلة فيه محتملة لكلا الرأيين . 

إن الحجاب الذي فرضه الله تعالى على النساء أيها السادة هو طاعة محضة، وعبادة خالصة، وليس عادة معتادة كما يصوره البعض، وكما تتوهمه بعض النساء، وأنه أمر اختياري، للمرأة أن تأخذ به، ولها أن تتركه ، وبالتالي تتساوى في هذه الجزئية مع المحجبة . 

لا أبداً... 

الحجاب عبادة وطاعة وقربة إلى الله تعالى، وليس عادة تعرف في بلد وتنكر في آخر ، ولا عرفاً يستقر في ناحية ويرتفع عن ناحية ... ولا تقليداً تتابع الناس على العمل به ... بل هو فرض رباني وواجب شرعي لا يجوز الحياد عنه أو تركه . 

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59. نزلت هذه الآية في فرض الحجاب على المسلمات ، وهي إحدى موافقات سيدنا عمر ربه ، وكان عمر يقول: يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فنزلت....( رواه البخاري) ، وقال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ " الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا " وَأَشَارَ إِلَى كَفِّهِ وَوَجْهِهِ "( رواه البخاري) . 

ومع أن الحجاب فرض من فوق سبع سموات إلا أنه لاقى حملة شعواء وشنت عليه حرب ضروس حتى من أبناء الإسلام ، زاعمين أن الحجاب سجن للأنثى وتدمير لمواهبها ومؤسس للتمييز بينها وبين الرجل ، وأن من المساواة بينهما أن تنشر شعرها كما ينشر شعره، وتخرج بالألوان الزاهية كما يفعل هو ولا يُحرَّج عليهما في ذلك . 

سبحان الله ... أي تفكير هذا ؟!!! 

ومن المؤسف أن تصدِّق هذه المغالطات بعض المؤمنات ...

الحجاب – أيها السادة - شرع لحفظ المرأة وصيانتها من عيون ذئاب البشر، وليس لتكبيلها بأثقال الحجاب وقيوده وأغلاله .

الحجاب فيه تكريم للمرأة وتشريف لها، وإعلاء من شأنها، وليس فيه شيء من ازدرائها أو تقييد بالغ لحرياتها . 

الحجاب عنوان إيمان المرأة، ووسيلة صون لعفافها من مرضى النفوس، وليس قتلاً لشبابها، ودفناً لجمالها في التراب ، وتغييباً لجوانب الحسن فيها في سن مبكرة. 

الحجاب حفظ لروحانية المرأة، وقلبها ، ونفسها ، وعقلها ، وهو إلى ذلك إغلاء لقيمتها في المجتمع، ووسيلة لصونها من التبذل الممقوت، وارتفاع بها أن تكون سلعة بائرة ينادى عليها في مدارج الطرق والأسواق . 

الحجاب رمز لما وراءه من أخلاق ومعان وفضائل دينية واجتماعية . 

الحجاب كالصدفة يربي المرأة – إلى تربيتها - تربية لؤلؤية . 

الحجاب وراءه كل معاني التوازن والاستقرار والهدوء.

إخوتي في الله وأخواتي : 

كثيرون ينحون باللائمة على الحجاب، وأنه سبب تأخر المسلمين، أو على الأقل تأخرها هي ؛ لارتهانها للحجاب وقيوده . 

ولا أدري ما الرابط بين الحجاب والتخلف؟ ومتى كان شكل ثوب المرأة أو نظامه، أو طوله أو قصره، أو عرضه وضيقه، ذا علاقة وتأثير في نمط تفكيرها وتوجهها العقلي ونشاطها الإنساني . 

ها هي نساء في مجاهيل إفريقيا غير محجبات، بل متبرجات، بل شبه عاريات، فهل شفع ذلك لبلادهن أن تزاحمن الدول الحضارية في سدة التقدم والتطور ؟!!

إن الحد الأدنى من الحجاب - وهو ستر ما عدا الوجه والكفين - لا يعوق المرأة عن مزاولة أي نشاط اجتماعي تنهض به ... ولا يتأخر بها عن تسنم أي منصب علمي أو معرفي. 

وكثيرات وكثيرون ينظرون بعين الريبة والشك والاتهام إلى كل منقبة أو محجبة ... وأنه على الإنسان ألا يغتر بمن يراهن في الشارع من المحجبات؛ فإنهن يخفين وراء هذا الحجاب ممارسات خاطئة، ونفوساً مريضة، وقابلية لاقتراف أي خطأ . 

ولا شك أن هذا غريب وعجيب ... فمن قال لكم : إن الحجاب وسيلة لتربية الفتاة أو المرأة، وسبيلاً للسمو بها إلى مستوى الاستقامة الأخلاقية، والبعد عن السفاسف والانحرافات... بعد أن لم تكن مؤدبة ومهذبة من قبل؟!!!.

إن وجود فتيات متحجبات ضبطن بأعمال وسلوكات شائنة لا يعني أن نسيء الظن في الحجاب، أو نتهمه بأنه شعار الفاسقات الماجنات ... ولا يعني أيضاً أن كل المحجبات في سوية واحدة من السوء، ولا يبيح لنا أن نعمم الحكم على الجماعات لخطأ أفراد ، فالله تعالى لم يرض لنا التعميم في أهل الكتاب فقال : {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران75، وقال : {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }آل عمران113. 

إن الفتاة التي استمرأت الانحراف، وهويت الانجراف إلى الخطأ ، واعتادت الوقوع في بؤرة الممنوع شرعياً كان أو عرفياً ، وربيت بعيدة عن الفضيلة لن يكسبها الفضيلة جلباب ترتديه أو خمار تديره على أطراف وجهها . 

ولا يعني حديثنا هذا أن غير المحجبة ليست بشريفة ولا عفيفة ولا مقدرة ولا محترمة... فلربما وجدت متبرجة هي غاية في الشرف، وعنوان للنقاء والطهر ، ولكننا نقول : إن الحجاب يزيد المرأة شرفاً وقدراً وفضلاً.

وإن كنا نعتقد أن الحجاب الحقيقي هو حسن تربية الفتاة وتنشئتها على الحياء والأدب، وتغذيتها بمختلف ألوان الفضل والخلق العالي، وليس مجرد قماش وكساء وسواد .

وأنت أيتها الأخت الفاضلة : 

يا من تُدعين إلى نزع الحجاب ... احذري أن تخدعي عن نفسك، وتصرفي عن دينك، وتدفعي إلى رمي الحجاب . 

احذري السقوط... فسقوطك حين تسقطين ثلاثة مصائب في مصيبة واحدة ... سقوطك أنت .... وسقوط من أوجدك من الفضلاء ... وسقوط من توجدين من البنات والأبناء. 

وأنت أيتها الأخت التي نزعت الحجاب ، أو المترددة في نزعهن، أو التي قررت ذلك: تمهلي قليلاً ... ففي نزعك للحجاب نزع لشخصيتك، واغتيال لبراءتك و قتل لطهر روحك، وتشويه لجمال نفسك .

وإن كنتِ لا بد فاعلة فلا تحتفلي بذلك، ولا تقيمي عرساً بالتخلص من الحجاب كما تفعل بعض من اجترأن على شرع الله ... فالتخلص من الحجاب معصية فهل تحتفلين بمعصية الله ؟.

كل ذلك برسم الإجابة منك أيتها الحرة الأبية .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين