وقفة تأمـل

قال تعالى : {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }                          

من الصعب جداً على الإنسان أن يسير في الاتجاه المعاكس حتى ولو كان هو الطريق الصحيح لأن الموج عندما يكون عارماً يأخذ في طريقه كلَّ شئ إلا مارحم الله .

  لقد ترددت كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال لأنني أشعر كأني أسير في عكس التيار وخلال ترددي هذا كنت أتصفح كتاب ( هكذا علمتني الحياة )                          للعلامة الدكتور / مصطفى السباعي – رحمه الله – فقرأت هذه الكلمات             بعنوان ( لاتتأخر عن كلمة الحق ) يقول فيها : لاتتأخر عن كلمة الحق بحجة أنها لاتسمع فما من بذرة طيبة إلا ولها أرض خصبة ، وليس عليك أن يقتنع الناس برأيك الحق ، ولكن عليك أن تقول للناس ماتعتقد أنه حق . "انتهى كلامه رحمه الله " .

من هذا المنطلق رأيت نفسي مدفوعاً لأن أكتب هذه الكلمات سائلاً الله تعالى أن يجعلها بذره طيبة في أرض خصبة تؤتي أكلها ولو بعد حين .

كنت في حوار مع ابني عن الحدث التاريخي الذي أكرم الله به إخواننا في مصر وهو ( كأس أمم أفريقيا ) فقال لي : لو خُيّر المناصرون لأحد الفرقاء اللاعبة بين أن ينتصروا في معركتهم الكروية أو تحرير فلسطين لاختاروا النصر في المبارة ، لاشك أن هذا الكلام فيه مبالغة ، ولا أوافق ابني على ذلك وأنا أعلم أن كثيرين من المتعاطفين مع أحد الفرقاء الرياضية من خيرة الناس إيماناً وسلوكاً وتهذيباً ولكن جرفهم التيار وربما رأوا في ذلك رفعاً لمعنويات الشعب المغلوب على أمره ... إلى ما هنالك من المبررات ، كما أن كثيراً من اللاعبين من أهل الإيمان والغيرة والشامة ولا أدل على ذلك من الموقف الشجاع للاعب (محمد أبو تريكة) يوم كشف عن شعار ( تعاطفاً مع غزة) فهزَّ مشاعر الملايين من المسلمين في العالم الإسلامي وهو موقف يشكر عليه . ورسالتي هذه موجهة إلى هذا الصنف من الناس لا إلى غيرهم ،          حباً لهم ، وغيرة عليهم ، وأملاً في التخفيف من غلوائهم وأحب أن أثير بعض   النقاط الهامة :

•    لاشك أن الاهتمام برياضة الأجسام أمر يحبه الإسلام ويشجع عليه وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلَّ خير ..... )) . والقول المأثور عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه : ( علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ... ) .          ولكن سؤالي لهذه الآلآف المؤلفة التي تناصر وتشجع وتهتف لفريق ماهي الفائدة التي تعود عليها من خلال ذلك ؟! .

•     ألا ترى معي – أخي الحبيب – أن هذه المناصرة انقلبت إلى حزبية وعصبية مقيتة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعوها فإنها منتنة )) . وماحَدَثُ الخلافِ بين فريقي مصر (الكنانة) والجزائر (بلد المليون شهيد) مِنـا ببعيد حتى تطور إلى خلاف بين اعلى الجهات     المسؤولة !!! .

•    ألا ترى معي – أخي الغيور – أن في تلك المباريات العالمية إلهاءً للشعوب وتخديراً لها عن المآسي التي تمرُّ بها بداية من غزة المحاصرة إلى بلاد الرافدين المنكوب ، إلى أفغانسان المستباح ، إلى الصومال المنهك بالخلافات والجراح !!! .

•    أخي المنصف الغيور على دينك وأمتك أسالك بالله تعالى هل ترضى لأمة الخير ، وأمة العدل ، وأمة النور والمعرفة ، وأمة الوسطية التي هي خير أمة أخرجت للناس أن تلهث وراء نصر لفريق على فريق لايُسمن ولايغني عن ُذلٍّ تربع على صدرها .

•    أخي ألا ترى أن ذلك تضييعاً للأوقات والأموال ، وهدراً للكفاءات في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوعي والتفكير في كيفية النهوض لهذه الأمة !! .

كم من الملايين دفعت لبعض اللاعبين ليتم شراؤهم لصالح أحد النوادي الرياضية ، ونحن في وقت يموت فيهم الآلاف من الجوع والمرض في العالم الإسلامي .

  قد يقول قائل إن هذا من اللهو المباح ، فأقول : نعم يكون لهواً مباحاً إن لم يكن هناك تعصب لفريق على فريق ! ، نعم يكون لهواً مباحاً عندما يكون التنافس شريفاً ، والإسلام لايحجر على اللهو المباح وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : (( إن لنفسك عليك حقا )) ولكن هذا الحق ينبغي أن لايخرج عن الثوابت وهل خروج الآلاف في الشوارع بشكل غير حضاري وتعطيل السير ، وإيذاء المارة أمر يقبله الشرع والعقل ؟! .
وختامـاً     

 إن الجراح التي تعتلج قلوبنا - معشر المسلمين – أكثر من أن تحصى ولعلي أختم حديثي بكلمات قرأتها في كتاب الخطر اليهودي عند الحديث عن البروتوكول الثالث عشر لحكماء صهيون ، سائلاً الله تعالى أن يرزقنا الوسطية والاعتدال ، وأن تتحول هذه الجماهير إلى مناصرة الحق والخير أينما كان ،        كما أسأله أن يكحل عيوننا بتحرير المسجد الأقصى ، كما كحَّل عيون إخواننا بكأس أفريقيا.

ونص الكلمات : ( انما نوافق الجماهير على التخلي والكفِّ عما تظنه نشاطاً سياسياً إذا أعطيناها ملاهي جديدة سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب .....

وسرعان ماسنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات : كالفن والرياضة وما إليها ، هذه المُتـَع الجديدة ستلهي ذهن الشعب حتماً عن المسائل التي ستختلف فيها معه ، حالما يفقد الشعب تدريجياً نعمة التفكير المستقل بنفسه سيهتف جميعاً معنا لسبب واحد : هو أننا سنكون أعضاء المجتمع الوحيدين الذين يكونون أهلاً لتقديم خطوط تفكير جديدة ) "برتوكولات حكماء صهيون ص151"

 اللهم إني أسالك الإخلاص في القول والعمل والبعد عن الوقوع في الزلل ،  وأعتذر إلى إخواني المتحمسين إن كان في هذا المقال مالا يوافق هواهم إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإلية أنيب .

   

    كتبه

د. محمد ياسر المسدي

             في 17/02/1431هـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين