نظرات في القاعدة التكفيرية: من لم يكفر كافراً فهو كافر -1-

هذه بعض البحوث المنتقاة من كتاب فضيلة الشيخ محمد أمين محمد الحامد " الميزان" الذي ناقش فيه بعض نواقض الإيمان في كتابه الذي نشرناه كاملا على الموقع . وهذا رابطه: http://islamsyria.com/site/show_library/1031

وننشر مناقشته لبعض هذه النواقض في حلقات متسلسلة؛ ليتمكن القراء من الاطلاع عليها والاستفادة منها. 

ونحب أن نذكر القراء بأن ما ينشر في هذا الموقع لا يعبر دائما عن موقف علماء الرابطة ، بل هو اجتهاد شخصي ينسب لقائله .

القاعدة التكفيرية الأولى : من لم يكفر كافراً فهو كافر

هذه قاعدة شرعية صحيحة ، ولكنها لا تتعلق غالباً إلا بالأموات كما سنرى ، وسيكون تطبيقها بعدة مسائل ، ولا بد في البداية من توضيح حقيقة أساسية ، تفرق بين الإيمان والكفر بشكل قطعي وهي :

الإيمان بالإسلام يقتضي الكفر بغيره :

الإيمان بالإسلام لا يتم إلا بالكفر بكل دين سواه ، وهذا يعني أن الكفربغيره نصف الإيمان ، أوهما وجهان لعملة واحدة ، لأن الدخول في هذا الدين لا يبدأ إلا بإعلان الكفر بكل دين يخالف دين الإسلام ، ولذلك لا يصلح الإيمان بالإسلام والنصرانية المنحرفة معاً ، ولا كذلك اليهودية المنحرفة أو المجوسية أو الوثنية أو غيرها ، فنفي الشرك أيا كان نوعه هو نصف الإيمان إن لم يكن كله.

وكذلك فإن الإيمان يقتضي البراءة القلبية من المشركين الأحياء والأموات ،أي هم الذين أعلنوا كفرهم ولم يخفوه ، وهذه هي المفاصلة معهم بحسب التعبيرات الحديثة ، وهذه هي أولى الواجبات الشرعية ، كما قال تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى? تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [سورة الممتحنة آية 4] .

وهذه البراءة على نوعين :

الأولى : قلبية ، وهي الكفر بكل دين سواه ، وإليها الإشارة بقوله تعالى: "كفرنا بكم"

والثانية : سلوكية ، وهي قطع أية علاقة اجتماعية مع الكافرين ، وهذه هي المفاصلة السلوكية التي نشأ فيها خلاف حول التكفير بها ، وهي في الواقع من أعمال الإسلام لأنها سلوك ظاهري ، فلا يمكن أن تكون جزأ من الإيمان ، وإذا كانت كذلك فلن يكون الإخلال بها كفراً ، إنما تكون بحسب الاستطاعة ، أما البراءة الأولى فإنها من أعمال الإيمان ولذلك لا يتم الإيمان إلا بها ، وهذه هي المفاصلة القلبية التي يكفر من تخلى عنها ، أما البراءة الثانية ، فإنها من أعمال الإسلام ولذلك لا يكفر من أخل بها .

وهذا يعني أن البراءة من المشركين ومعاداتهم هي من أعمال الإسلام التي تجب بحسب الاستطاعة ، وليس لها أي علاقة بحقيقة الإيمان حيث لا يتوقف عليها وجوده في القلب ، أو عدمه أي من لم يفعلها حتى لو لم يكن مضطراً فإنه لا يكفر، لكنه يفسق فقط بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان ، لأنه كثيراً ما تحكم بعض الناس ظروفه الخاصة ، أو مصلحة دنيوية تغلبه فلا يستطيع أن يفاصل فيها قومه مثلاً ، فمثل هؤلاء لا يكفرون بشرط واحد ، أن لا يتمنى فوز الكافرين على إخوانه المؤمنين ، أو حصول الغلبة لقومه على المسلمين حتى لو كان مكانه مع قومه .

ويكون حكم الشرع عليه بأنه فاسق أو ضال أو منحرف ، لكنه لايكفر إلا إذا كان يتمنى أن يكون النصر للكافرين على المؤمنين ، لأن هذا يدل على أن الولاء الإيماني عنده قد انهار ، وهذا هو الولاء القلبي الذي إذا تغير أو انهار ، كفر صاحبه مباشرة ، لأنه يدل على قناعة بصحة مذهب أهل الكفر ، فبسبب هذه القناعة يكفر .

ولذلك فإن هذه البراءة من الكافرين، قد تسقط في بعض الأحوال الصعبة أو الاضطراية دون أن يؤثر ذلك على صحة الإيمان ، لأنها ليست من أركانه ، وهذا هو ما حصل مع النبي صلى عليه وسلم في علاقته مع عمه أبي طالب ، عندما كان يحتمي به وهو على شركة ، وكذلك عندما دخل مكة في جوار المطعم بن عدي ، وكان مشركا بعد عودته من الطائف ، وكذلك ما كان له من علاقة مع قبيلته التي آزرته والتفت حوله ، ودخلت معه الشعب في مكة ، وقد قص الله تعالى علينا قصة مؤمن آل فرعون ، الذي كان يكتم إيمانه عن قومه ، فقال تعالى : (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) سورة غافر آية 28.

فالله سبحانه وتعالى وصفه بأنه مؤمن وأنه يكتم إيمانه ، ولا شك أن من يكتم إيمانه لا يمكن أن يكون متحققاً بالمفاصلة والولاء والبراء ، ومع ذلك فالله تعالى أثبت له الإيمان ، فلو كانت المفاصلة السلوكية والولاء والبراء السلوكيان من أركان الإيمان ، ما كان الله تعالى ليثبت له ذلك الإيمان ، وهذا يدل على أن هذا النوع من البراءة السلوكية أو التميز أو المفاصلة ، ليست من أساسيات العقيدة التي تفسدها ، إلا إذا كان ذلك من النوع القلبي الذي هو من أركان الإيمان ، فإن نقصها يدل على نقص الإيمان ، وأي نقص في الإيمان يعني الكفر ، ويكون ذلك عند تفضيل في القلب لمصلحة الكفر والكافرين ، على مصلحة الإسلام والمسلمين . وهذا الموضوع سيكون له شرح واف بإذن الله تعالى قريبا في كتاب آخر.

لا وجود للتناقض بين الإيمان والتكفير :

قد ظهر لنا قبل قليل أن البراءة السلوكية من المشركين ليست من أركان الإيمان ، بل هي من أعمال الإسلام لأنها سلوك ظاهري ، لكننا هنا نحتاج إلى إضافة ضئيلة ، وهي أنه لا يوجد علاقة تناقضيه بين وجود الإيمان والبراءة السلوكية من المشركين ، بمعنى أن الضرورة لا تقتضي عندما يوجد أحدهما أن ينتفي الآخر تلقائيا ، وأن الإيمان لا يصح حتى يوجد التكفير لإنسان معين أو لبعض الطوائف ، ولا يستثنى من هذا إلا البراءة القلبية من جميع الكافرين ، أي الاعتقاد النظري بأن كل من لم يؤمن بالإسلام هو من الكافرين ، لأن هذا الاعتقاد النظري ركن من أركان الإيمان.

أما تكفير إنسان بعينه أو طائفة خاصة ، فإن هذا الأمر لا يتوقف عليه وجود الإيمان ، لأن الإيمان في أصله تصديق بحقائق الإيمان الستة، وهذا عمل فردي محض وليس جماعي، فهولا يحتاج إلى مشاركة من أحد او مع أحد حتى يكتمل ، لأنه أمر خاص وفردي ، ولا يعود على جميع المؤمنين أو الكافرين بشيء ، وإذا كان كذلك كان الكفر مثله ، أي لا يعود الكفر إلا على صاحبه ، وليس لوجوده أي تأثير على غيره في الوجود أو العدم .

وبذلك يكون المعنى: إن كل من لم يكفر كافراً يؤمن بغير ملة الاسلام فهو كافر ، وهذه هي القاعدة السائدة ، عند جميع أهل الديانات ، التي تعتبر أن كل من يؤمن بدين آخر فهو كافر بالنسبة لهم ، وهي موجودة في الإسلام كذلك ، قال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سورة آل عمران آية 85 .

المسألة الأولى : تكفير كل من ثبت كفره بشكل قطعي من الأموات :

هذا هو التكفير الملزم الذي من رفضه يكون من الكافرين ، لأنه من باب التكذيب بالنصوص المتواترة كالقرآن أو السنة ، سواء كان الكفر جحوداً بالإيمان بها ، أو رفضاً للتسليم بحكمها أو بحكمتها أو بمعناها أو ما تخبر به بشكل قطعي بحيث تم الإجماع عليه عند جمهور العلماء ، ومن هنا فإذا أخبرت هذه النصوص عن ثبوت الكفر على شخص معين ، فقد وجب تصديقها والاعتقاد بكفره ، وهنا يصبح كافراً كل من رفض هذا التكفير ، أي رفض هذا الاعتقاد بمن تعين كفره بها ، لأنه كذّب النص المتواتر.

ومثال ذلك من يرفض كفر فرعون أو هامان أو قارون.

وبذلك يكون كل من لم يكفر كافراً قد مات وثبت كفره بالقرآن أو الحديث المتواتر فهو كافر.

المسألة الثانية: تكفير كل من اعترف على نفسه بالكفر :

إن الاعتراف الشخصي للمرء على نفسه لا ينشأ حوله خلاف أصلاً فمن هذا الذي يريد أن يدخل في الإيمان من جهر بالكفر ، دون خجل ولا إكراه ، ولذلك كان لا يوجد مشكلة عند هذا النوع من الناس ، أي هي في حكم العدم ، ويلحق بذلك كل من مات على الكفر أو دخل في حرب مع المسلمين ومات فيها حتى وإن لم يرد به نص متواتر ، مثل قتلى بدر من المشركين ، فهؤلاء قد ماتوا على الشرك بشكل يقيني فهذا كله نوع واحد وهو نوع لا يأبه له ، فكل من أقر على نفسه بالكفر فهو كافر بكامل قناعته ، وبذلك يكون كل من لم يكفر كافراً اعترف على نفسه بالكفر أو مات على الكفر مع الكافرين فهو كافر أيضاً .

المسألة الثالثة : تكفير المتأولين للنصوص (وهذه أهم المسائل) :

إن كل إنسان حي إما أن يكون مؤمناً أو كافراً ، فالمؤمن يجب أن نحكم له بالإيمان حتى لو كان كاذباً منافقاً، والكافر هو الذي يعلن كفره ، فهو لا يحتاج منا إلى شهادة ، بقى المتأول لبعض النصوص ، وهذه المسألة تحتاج إلى تدقيق ، لأن التأويل على نوعين :

أحدهما: يتعلق بالشبهات من غير تكذيب للنصوص ، لكن بتأويل لها مهما كان هذا التأويل ضعيفاً ، فهؤلاء لا يجوز تكفيرهم رغم ما عندهم من الطامات ، ومثلهم هو مما نشاهده من هذه الفرقة الضالة المنحرفة ، والتي يكفر بعضها بعضاً على وجود أدنى خلاف ، ويستبيحون دماء بعضهم ودماء من ورائهم من المسلمين قاطبة من باب أولى .

والآخر: هو الذي يكون فيه تكذيب للنصوص ورد لها ، بلا وجود أي شبهة ملجئة أو غير ملجئة ، مثل طوائف الشيعة التي تكذب صريح القرآن ، في ثبوت العدالة للصحابة من حيث الجميع ، وليس من حيث الأفراد ، وكذلك يكذبون القرآن في براءة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها . ولذلك فكل فرقة ضالة فعلت مثل هذا الفعل ، أي انحرفت عن الدين وكذبت النص الشرعي المتواتر ، فقد كفرت وخرجت من الملة ، وكل من لم يكفرهم فهو كافر.

موقف المسلمين من غلاة الشيعة اليوم :

إن جمهور علماء أهل السنة كانوا يتحرجون في الماضي من تكفير الشيعة ، بسبب ماعندهم من التقية ، والتقية هنا معروفة أنها عين النفاق والكذب ، وبالرغم من ذلك فقد كان جمهور أهل العلم يقولون فيهم ذلك : بأن أي شيعي إذا لم يظهر منه أمر مكفِر لا يكفَّر ، بناء على أن الأصل أن يكون إسلامهم على ظاهره ، والحكم دائماً للظاهر كالحكم على المنافقين ، فلسنا مكلفين بالتفتيش عن أسرار الخلق ، التي هي موكلة إلى حكم الله تعالى في الدار الآخرة.

ولكن هذا الحكم قد اختلف فيهم مؤخراً ، بعد ما تواتر التصريح بالمكفرات عنهم وعن شيوخهم وجميع أتباعهم، بحيث انتفى ذلك الحرج الذي كان سببه النفاق والتقية ، بل حصل منهم في زماننا هذا ما هو أشد من الكفر، وهو هذه العداوة المقيته لأهل السنة التي لا يمكن تصورها ولا فهمها ولا تهدئتها ، وكأنها بركان ثائر يقذف بالنار واللهيب والحمم ، ولا يريد أن يتوقف إلا بالقضاء على أهل السنة ، أي باستئصالهم عن بكرة أبيهم ، فهم لا يرتاحون أبداً ما بقي من أهل السنة أحد على قيد الحياة ، حتى لو كان رضيعاً في حجر أمه ، بل يجب على رأيهم قتلهما معاً في آن واحد ، وكأن مايفعلونه من هذا العمل القذر ، إنما هو قربة إلى معبود لهم شيطاني ، لا يرتوي من شرب الدماء ، ولايشبع من أكل الأحشاء الآدمية لأهل السنة.

هذه القاعدة لا عمل معها مع الأحياء :

المهم أن هذه القاعدة التي تقول : بأن من لم يكفر كافراً فهو كافر . لا عمل لها مع الأحياء ، لأنه لا حاجة لإعمالها عندما يكون الكفر ظاهراً ، وكذلك عندما يكون التأويل واضحاً فيه الكفر والتكذيب للنصوص ، وبذلك يتوقف العمل بهذه القاعدة، بل وسيتوقف العمل بها كذلك مع أهل التأويل ، عموماً مهما كان خاطئاً ، ما دام هؤلاء يؤمنون بالنصوص ولايكذبونها . وبذلك لم يعد لهذه القاعدة من موضوع تتعلق به ، فلم يبق لها أي مجال للعمل إلا مع الأموات ، ويكون معناها عند ذلك ، أن من لم يكفر كافراً ثبت عليه الكفر بطريقة قطعية فهو كافر.

ومعلوم أن ثبوت الكفر بشكل قطعي ، لا يكون إلا بأحد أمرين : إما بالاعتراف الشخصي من غير إكراه ، أو إذا ثبت له ذكر في القرآن أنه من الكافرين ، كفرعون وقارون وهامان ، وهؤلاء يجب أن يكونوا من الأموات السابقين على نزول القرآن الكريم .

هذه القاعدة فيها محذوف :

هذه القاعدة وهي كل من لم يكفر كافراً فهو كافر ، فيها حذف أساسي لجملة لم يصرحوا بها لوضوحها ، تلك الجملة المحذوفة هي : لذلك الكافر الذي ثبت كفره بطريق قطعي متواتر ، وبذلك تصبح هذه القاعدة كما يلي : من لم يكفّر كافراً ثبت كفره بطريق قطعي فهو كافر .

وهذا هو المعنى الصحيح لهذه القاعدة ، ولا شك أنه هو المعنى الحرفي المقصود عند من وضعوها من الأئمة والعلماء ، وليس القصد منها قتل الناس على أساسها ، إنما القصد منها أنه لا بد من تكفير كل من ثبت عليه الكفر بشكل قطعي ، ولذلك فهي لا تشمل إلا الأموات بشكل أصلي ، أما الأحياء فإن تكفيرهم قد يكون صعباً في كثير من الأحوال ، لأنهم عندما يحاصرون بالأدلة ينكرون أقوالهم أو أقوال علمائهم المسطورة في كتبهم ، ويدَّعون أنهم لا يقولون بها.

ونحن لا ندري لعلهم كانوا صادقين ، وإن كان الغالب عليهم الكذب ، لأن جميع هذه الفرق الضالة تعتمد على التقية ، فهم مثل الشيعة تماما يعتمدون على الكذب والتقية بشكل دائم ، وهذا ما لمسناه منهم من خلال التجربة ولمسنا منهم ما هو أكثر من ذلك ، وهو فقدانهم للأمانة في جميع النقول النصية عندما يأخنونها من كتب غيرهم ، فهم يكذبون في نقل هذه النصوص عن غيرهم بشكل سافر.

ويفعلون ما هو أشد خبثا وأكثر استحقاقا للعنة الله تعالى ، وذلك عندما يجتزئون النصوص ويقطعونها ، ثم يحولونها على عكس المراد منها ، وينسبونها للمؤلف ، وما مثال ذلك إلا كمثال من عمد إلى الاستشهاد بالقرآن على لعن المصلين ، وذلك عندما يعتمد فقط على نصف الآية التي تقول : ويل للمصلين .. ولا يتابع قراءة تكملة الآية ، ولذلك فكثيراً ما تسمعهم يقولون : هذا الفقيه الحنفي يقول كذا وكذا ، مما يؤيد مذهبهم فإذا رجعت إلى كتاب ذلك الفقيه ، وجدت عكس ذلك تماما.

هم قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام :

بقي أن نقول بأن هذه الفرق التكفيرية الحديثة ، هم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثاء الاسنان سفهاء الأحلام ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري في كتاب فتح الباري برقم 3611 ج 6 ص 699

فهم قوم ضالون منحرفون ، تتنازعهم الأهواء ، وتتحكم بهم مغاليق العقول القاصرة والفهم السقيم ، يكفّرون بعضهم ويحتكمون للسيف في كل كبيرة وصغيرة ، والحكم بالقتل هو أسهل الأحكام والأقرب إلى نفوسهم ، بل ليس عندهم في غالب أقضيتهم حكم غيره ، يعادون مشايخهم ويكفرونهم ، وهذا ما يخفف علينا مصيبة تكفيرهم لجميع المسلمين.

لكن تكفير التلميذ لشيخه لا يجوز أن نمر عليها مرور الكرام ، لأنها من الناحية الأخلاقية ، يشبه من أعطاك سيفاً – وأنت خائف – لتدافع به عن نفسك ، فبدأت به فقتلته ، فهذا هو أسوأ ما في الأخلاق من الأفعال الفاحشة ، وهو يصدق عليه قول الشاعر :

أعلمه الرماية كل يوم ::: فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي ::: فلما قال قافية هجاني

وهو من الناحية العلمية حكم على هذا العلم الذي أخذته من ذلك الشيخ أنه علم باطل ، وأنه علم مليء بالضلالة والفتنة ، يشبه تماماً تلك العلاقات السيئة داخل عالم الجريمة المنظمة ، عندما يقتل بعضهم بعضاً لاي سبب كان ، سواء لاختلافهم على المغانم أو على السلطة.

الخلاصة: التكفير لا يجوز بالاعتماد على الشبهات :

بل لعل الحقيقة أن كل من لم يكفّر الكافرين إنما هو أحد شخصين: إما أن يكون عالماً بكفرهم ، أو لا يكون عالماً به ، فإذا لم يكن عالماً به فهو معذور بجهله ، أما إذا كان عالماً به ، فإما أن يكون علمه بذلك الكفر ظنياً أو قطعياً ، فإذا كان ظنياً ولم يكفر ذلك الكافر فإنه لا يكفر بذلك ، لأنه غير متأكد ، وهذا هو ما يقع كثير منه مع هؤلاء الذين يقابلون هؤلاء التكفيريين ، الذين يكفرونك ويكفرون بعضهم ، ويطلبون منك أن تكفّر معهم من يكفرونه الآن ، وأن تتراجع عن تكفير من كفروه سابقاً ، إذا رضوا عنه وحكموا عليه بالاسلام من جديد.

فمثل هذا التكفير إنما هو تكفير على الظن ، ولذلك لا يكفر من لم يقتنع بهذا التكفير الظني عندما لا يكون قطعياً ، وهذا هو دائما حكم التكفير الظني كما سبق وبيّنا، أي لا يصبح كافراً من لم يحكم على غيره بالكفر ، إذا كان دليل التكفير محتمل لأدنى شبهة.

أما إذا كان علمه بذلك الكفر قطعياً ولم يكفر صاحبه فإنه سيكفر ، لأن عدم تكفيره مع انتقاء جميع الموانع يدل على موافقة قلبية له على ذلك الكفر الذي يقول به.

 

تنبيه : 

لا نوافق الكاتب الكريم فيما قرره من تكفيرالشيعة اليوم .

ولانرى تعميم التكفير لعداوة بيننا وبينهم. فالإنسان لا يكفر لمجرد العدوان المقيت. وأحكام التكفير تبنى على القطعي، لا على الظني، ناهيك عن الاختلافات السياسية والشقاق الحاصل والصادر عن مجموعة من الظلمة الرافضة. حتى الشيعة ينقسمون الى طوائف وجماعات، ينبغي ان نفرق بينها. 

ويماثل هذا التقرير الذي قرره فضيلة الشيخ قول لأقوام من الشيعة لديهم التعميم ذاته، والخوف وسوء الظن ذاته من السنة بانهم لن يهدأ لهم بال حتى يستأصلوا الشيعة من الارض !! وتغذي وتشهد لهذا الهاجس عندهم أعمال داعش والقاعدة والنصرة وغيرهم ، لكن الخطأ لديهم هو التعميم وتحميل مذهب اهل السنة والجماعة كله وجميع أتباعه جريرة الافعال السيئة لبعض أبنائه !

ثم إن أقوال الرافضة لم تختلف وكانت معروفة للعلماء ومع ذلك لم يكفروهم، فالباقلاني في الانتصار للقرآن يرد على قولهم بتحريف القرآن، وابن تيمية في منهاج السنة يرد على بعض كبرائهم، فدعوى أن عقائدهم لم تكن معروفة للأقدمين غير مسلم، وهم كانوا في بغداد يعلنون سب الشيخين والصحابة رضي الله عنهم وتقوم بسبب ذك الفتن خاصة في ايام البويهيين..

وقد فعلوا بأهل السنة فيما مضى من العصور أكثر مما يفعلون اليوم، وبقي جمهور علماء السنة على ان بدعتهم غير مكفرة وهم مؤولون ضالون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين