هل ستبقى المقاومة البديل الوحيد لحل القضية السورية؟

 
 
 
د/ خالد حسن هنداوي
 
 
لقد طفحت وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة مؤخرا بالحديث عن الحوار وإمكانيته وجدواه بين اللانظام السوري وبعض من يعرضون هذه الورقة من باب إحجاج الظالم وإفحامه أمام ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي أصبح معظمه غادرا خائنا للأمانة مضحيا بأسرة الشعب السوري العضو الدولي في جسم الأسرة العالمية طلبا للمصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية لحسابها فقط دون أي اكتراث ببحور الدماء الهادرة في كل صعيد على أرض ضاربة في أعماق التاريخ والحضارة على الدوام، فلا قيم ولا مبادئ ولا أخلاق في السياسة لدى هؤلاء جميعا وخصوصا أن الصهاينة ضاغطون أساسيون لعدم الوقوف ضد هذا اللانظام حيث وفر لهم الهدوء وبناء المستوطنات لأربعين عاما، لقد أخذ كثيرون بالحديث عن ضرورة المصير إلى حوار مع القتلة الجهنميين الساديين حقنا لما تبقى من دماء السوريين وتخفيفا للدمار الكارثي الذي جعل معظم البلاد العامرة قاعا صفصفا، وهم إذ يدندنون على هذا الرهان يقولون لا بد أن نحاول ونجرب ولكن يبدو أنهم ينسون أن الذي يجرب المجرب عقله مخرب أو هكذا غالبا ما يكون، لقد استجاب الأخ الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة من باب رفع العذر بل الاتهام بأن المعارضة ربما لا تملك أفقا سياسيا للمحاورة أو المفاوضة وليس لديها إلا ثابتة رحيل اللانظام بكل رموزه وأركانه، فماذا كانت النتيجة ورد فعل القتلة غير المراوغة والإجابات العامة الساخرة والمنكرة للواقع الذي لا زالت تعيشه سورية على إيقاعات الفظائع والشنائع والأسد لا زال بأمر أسياده المعروفين الذين فضحته وفضحتهم الثورة المجيدة متمسكين بالصنائع والخدام الذين يعملون لمصالح هؤلاء الأسياد وعلى رأسهم اسرائيل كما نقل مؤخرا صائب عريقات عن نيتنياهو في تصريحاته التي تخشى من زوال الأسد وعصابته، ورغم أن معاذ الخطيب قد رمى هذه الحجرة الصغيرة التي لن تؤثر شيئا في تحريك دولاب المعادلة وإن كانت تثبت أن لدى الطرف الآخر حلحلة للمعضلة السورية إذا كان رأس النظام مستعدا لنقل سلمي للسلطة، ولكن الحصيف المتابع والقارئ السابر لحقائق المشهد السوري مدرك تماما أن كل هذه المحاولات ما هي إلا لعب في وقت حساس ضمن حلبة الصراع وأن الكاسب في النهاية هو من يقتل ويقتل ويدمر ويشتري هذا الوقت لمزيد من جرائمه ومذابحه واستعمال كل سلاح روسي وايراني لسحق الثورة سيما أنه مطمئن أن أمريكا المخادعة الكاذبة قد أخذت على عاتقها ومعها اوربا ألا يزودوا الجيش الحر والمقاومة بأي سلاح نوعي يغير من ميزان القوى على الأرض، وعلى هذا فإن الثوار وبإمكاناتهم التقليدية البسيطة إنما يقومون بشبه معجزة عندما يحررون المطارات ويسقطون ويعطبون الطائرات ويدمرون الدبابات والأسلحة الثقيلة، بل وأصبحوا منذ الأشهر الأخيرة يغنمون الكثير الذي أتاح لهم التحدي وضرب معاقل الظالمين بما فيها القصر الجمهوري والأركان في دمشق العاصمة، ومع ذلك فإننا نقول: إن قانون التدافع في الأرض والبشر هو الذي لن يترك المتجبرين على سلطانهم مهما امتد الوقت كما أن من السنة الكونية توفر الأسباب فعندما وفر الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت الأسلحة الفعالة للامبراطور تشرشل استطاع أن يهزم هتلر ويخرجه من بريطانيا ثم يمنى بالهزيمة، وهكذا فقد جعل الله لكل شيء سببا، وإن تكالب معظم المجتمع الدولي مع الجزار في سورية على الثوار الذين هم يحاربون الأسد وروسيا وايران والصين وحزب الله ومالكي العراق بل وبعض من يدعون أنهم أصدقاء للشعب السوري وهم أقرب إلى العدواة منهم إلى الصداقة، فمهما بلغ هؤلاء الثوار من الايمان والعزيمة والإرادة فإن أمامهم تحديات لا بد من مجابهتها، وكم تقصر معظم الدول العربية والاسلامية في دعمهم وهي متسببة في إطالة الصراع من جهة وفي التآمر الناعم اللامباشر والمباشر في عدم تحريض شعوبها كاملة أن تدعم الثوار ماديا ومعنويا، وإنه من هذا المنطلق بالذات وبعد امتداد المجازر في كل بقعة من سورية وضرب صواريخ سكود الروسية على مدينة حلب القديمة كان موقف الائتلاف بتعليق مشاركته في مؤتمر روما ومباحثات في واشنطن وموسكو عن سورية صائبا فلابد من المواقف المتوائمة مع فداحة الكارثة والتحدث بالفم الملآن، ما لكم كلكم أو جلكم تطلقون العنان لهذا الوحش جوا وبرا وبحرا يقتات من دمائنا دون عون فعلي إلا بالكلام والاحتجاج والتنديد في حين يقف الآخرون بكل وقاحة دعما لا محدودا لاستمراره وكم زادت شراسة هذا الغول بعد طرح تصريحات الخطيب عن حوار لنقل للسلطة فأخذ يقصف داريا بجنون ليضمن الريف الدمشقي وهو منذ شهرين لم يتمكن ولن يستطيع أبدا إن شاء الله بعد استحكامات الجيش الحر وانضمام الضباط إليه، إننا نرى بكل يقين أنه لا جدوى لأي حوار من أي نوع مع القتلة العملاء لأن الغاية من الحوار الأمان والسلام وهو لا يريده لأن طبيعته الوحشية ما تعودت عليه طوال حكمه وحكم أبيه بل تعودت على الخداع والموت للبقاء في السلطة كما حدث في جرائم مجزرة حماة عام 1982، ولن يكون أي بديل عن أي حوار وتفاوض مع المقاومة والشعب السوري إلا مواصلة الثورة بكل اصطبار وإرادة والاعتماد على الله والنفس وكسب غنائم جديدة نوعية من اللانظام نفسه بنشيد:
 
سلاحي من عدوي والذخيرة         وأهدافي وإن صغرت كبيرة
 
وعندها سيتنازل كل فرعون للثوار وتقود سورية دولة الحرية والعدل والمواطنة والقانون.  

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين