نظرات في مواقف مشايخنا سابقاً -1

 

 

الحمد لله حمداً جزيلاً، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله الذي أرسل للعالمين رسولا، وعلى امناء دعوته، وحملة شريعته؛ ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً.

إنّ من أسباب وصولنا إلى ما وصلنا إليه في سورية حرصُ "بعض" المشايخ على الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب!

لتذهب الثانوياتُ والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب إلى الجحيم إذا كانت ضريبة بقائها: ممالأة الطغاة قتلة المسلمين ومنتهكي أعراضهم ومدنّسي مقدساتهم

إنّ شرط قيام الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب بدورها هو أن تعمل بحرية ليقدّم أصحابها للناس الإسلام كما هو، لا كما يريد الطغاة!

وأما الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب التي ستعمل في جوّ من الرعب من كلمة تُقال لا تُرضي الطاغية، تُودي بصاحبها إلى الهلاك، فهي لن تُعلّم دينَ الإسلام الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وسيُفرَضُ عليها اقتطاعُ المحظور من الآيات والأحاديث والأحكام الفقهية وأقوال العلماء، وإلغاءُ مجرّد النطق به، ناهيك عن الدعوة إلى تطبيقه.

وسيُفرَضُ عليها ابتتارُ طائفة من من الآيات والأحاديث والأحكام الفقهية وأقوال العلماء من سياقها، وتقديمُها موجَّهةً التوجيهَ المخطئ ـ بل الخاطئ ـ الذي يخدم الطغاة!

إنّ تلك الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر لن تعلّم الناسَ دينَ الإسلام بل دين السلطان، والهدف من إبقائه عليها: هو أن تقوم بتحسين صورته، وتبرئته من جرائمه، والشهادة بالزور له، وأن تعلّم الولاءَ له وتمجيدَه حتى في أحكام الاستنجاء!!!

وما إبقاءُ نظام الطاغية لتلك الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب ـ واستحداث الجديد منه في هذه الظروف ـ إلا حُقَنٌ مخدّرةٌ لأصحابها على أحسن حال، أو شراءُ ذممٍ وتوريطُ طيّبين واستدراجُهم إلى مستنقع العمالة الذي انغمسَ فيه بعضُ الذين كانوا من أنظف الناس وأطهرهم من الشيوخ والدعاة والعلماء، وصاروا بعد الولوغ فيه متلطّخي الأعيان والعيون والكلمات والمواقف.

وبذلك يتبيّن لنا  أنّ حرص ذلك "البعض" من المشايخ على بقائهم في تلك الثانويات  والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب ليس إلا حرصاً على صدارةٍ يقضون شهوَتها، ومكاسبَ دنيوية من مالٍ وجاهٍ يُحافظون عليها.

مع الاعتراف بوجود فئة مخلصة يحرص مَن فيها ـ ما استطاعوا ـ على تجنُّب ممالأة الطغيان، ونفع الناس، والتخفيف من معاناتهم.

ولكنهم ـ للأسف ـ غلب عليهم العجزُ والخوَر، ونسُوا ـ أو تناسوا ـ أنّ تكثير عمائمهم لسواد الطغيان ـ ولو مُكرَهين ـ يُغطّي على كلّ ما يفعلون؛ لأنه ترسيخ وإدامة لمعاناة من يُقدمون لهم وجبة غذاء أو قطعة ثيباب، بل ولآلافٍ وآلاف وآلافٍ غيرهم زمناً يطول ويطول، ويساهمون ـ ولو لم يقصدوا ـ في إطالته.

بكل أسفٍ أقول: إنّ مشايخنا نسُوا ـ أو تناسَوا ـ أنّ الله تعالى هو المتكفّل بدينه وبعباده، وأنّه لو أغلقت جميعُ  الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب الموجودة، أو دُمرت، أو مات جميعُ أصحابها موتةً واحدةً؛ فإنّ الله حافظ دينه، وأنهم هم يقومون به: صادقين كانوا أو غير صادقين.

وليس ذلك الدين العظيم هو الذي يقومُ بشيخ يُلقي خطبةً شوهاء، أو محاضرةً مبتورة، أو يدعو إلى دين محرّفٍ يُسكت فيه عن الصدع بالحق، والجهر بالإنكار على الظلم والقتل وانتهاك الأعراض وتدنيس المقدّسات وتدمير المساجد ودكّ البيوت وتشريد الناس...

وإني أتذكر أحدَ المشايخ الدمشقيين الذين دفعَ بهم الطغيان إلى الواجهة مستغلاً عمامته ولحيته الكثّة البيضاوين، كيف تكلم في خطبة له ذات يومٍ بكل هدوء ورقيّ داعياً إلى تجنب القصف العشوائي الذي يُصيب البُرءاء أكثر مما يُصيب حملة السلاح

فعاقبه النظام ـ بل كافأه ـ على مهاجمة منزله الخاصّ، وإطلاق الناس داخله، وتحطيم محتوياته !!

إنّ أكبر ذي عمامة لا يملك أن يُخرجَ معتقلاً لتشابه أسماء، أو يُدخل سلّة غذائية إلى أناس محاصرين، وأن يطلُبَ أيّ طلب لا يعجب السادة!

فليتَ أولئك الأشياخ والدعاة يقفون مع أنفسهم في خلواتهم الخاصة ـ وهم يُمسكون سبحاتهم يذكرون الله ـ وقفات صادقة بينهم وبين الله يستعملون فيها علمَهم الذي تعلموه وسيسألهم الله تعالى عن عملهم به ويوازنون أيهما اكبر:

جملة المقاصد الشرعية التي أقنعوا أنفسهم أنهم يحققونها

أم جملة المفاسد المتحققة عن ترسيخ أقدام الطغيان الذي فعل بسورية ما فعل، وسيفعل بها كل يوم يشاركون في إطالة عمره فيه من الجرائم؛ من إزهاق أرواح، واعتقال وتعذيب، وانتهاك أعراض، وتدنيس مقدسات، وتدمير بيوت،..... إلخ أم إن كل تلك المفاسد لا قيمة لها أمام بقاء الثانويات والمعاهد والكليات الشرعية والمنابر والمحاريب، وبقائهم فيها ؟!

ليتهم يصدقون مع أنفسهم، فإنهم لو صدقوا مع أنفسهم لصدقوا مع ربهم، ولصدقوا مع عباده.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين