
"وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
"حَتَّى? إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ? ".
كم هي حاجة الشعوب العربية للتوقف عند هاتين الآيتين وعند هذين التعبيرين وبخاصة وهي تكتوي بنار التهميش والاستعمار والدموع والدماء والضعف والتخلف وضنك العيش.
كم هي الخسارة من الصدود والإعراض وتكميم القلوب وإغلاق منافذ التّلقي المبصر عن الحِكَم النافعة والمسارب الآمنة والمخارج المنقذة والإصرار على حب الذات، الذات الحزبية أو الذات الفئوية أو الذات الطائفية أو الذات العشائرية أو الذات الشخصية.
المواعظ الدامغة والضريبة الهائلة التي تدفعها الشعوب العربية الإسلامية من ذاتها الخاصة في كل شيء ومن مستقبلها ومستقبل أبنائها وأمتها.. إنها تُعَلّم الجاهل والمبتدئ فكيف بالعاقل الخبير المجرب....
لكنها لن تعلم المتعالي والمتجبر والمتكبر الذي لا يرى إلاّ نفسه، ولا يرى من الدنيا سواها.
هل من خسارة مرت في تاريخنا البعيد والقريب في تاريخ الدول وتاريخ الشعوب والتجمعات كان السبب الأعظم فيها سوى التنازع والتناحر والتصادم والفرقة والخلاف.
ما أعظم الذي خلق فسوى في تحذيره لعباده فلم يذكر الفشل في كتابه العزيز إلا وقرن به الفشل والتنازع فقدم أحدهما في آية وأخره في الأخرى فالفشل ناجم عن التنازع والتنازع طريق الفشل، والمخرج هو ترك التنازع مهما كانت الدواعي سيما وأنت تجد معظم ما يختلف فيه موهوم وتضخم ويمكن تجاوزه والتفاهم عليه ولكنه بحاجة لصبر شديد كما ختمت الآية الأولى استهدف في كلماتي هذه الشعوب العربية كلها بكل مكوناتها.
وعلى خلفية حضوري لمؤتمر عقد في عمان قبل يومين للبحث عن مخرج من الخلاف بين الإسلاميين وغيرهم من الاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى، ولقد وجدت في خطاب الكثيرين مساحة واسعة لإمكانية التفاهم ووجدت أن المشتركات في المختلف عليه كثيرة وإنْ كانت اسماؤها ومصطلحاتها متباينة.
أما لماذا النداء وفي هذا الوقت بل وفي كل وقت.
فلم يعد خافياً على أحد أنّ بلاداً كثيرة من بلداننا تحترق أو تغرق، والعالم لن يكون أكثر غيرة علينا من أنفسنا هذا إن لم يفرح بمعظمه بنزاعنا ولأنه لم يعد خافياً على كل ذي بصيرة أن منجزات الشعوب يجري اختطافها وأنّ غارة جديدة ثالثة تسلط عليها بصور عديدة بعد مراحل الاستعمار العسكري وهي غير مكلفة، بل شعوبنا نفسها التي تدفع الكلفة من ذاتها.
ولأن المستفيد الرئيس من حالة النزاع البينية والقطرية المتعددة هو العدو الاستراتيجي لها الذي يشحذ منشاره اليوم ليجهز على بقية الأمل في التحرير للأرض المباركة المحتلة فلسطين، حتى ظن أن جسم الأمة قد مات وفارقته الروح فيمكن تقطيعه والإجهاز على بقية ممتلكاته، فينشط كيري لصفقة أكثر إيلاماً للتوفيق بين الضعيف في أضعف حالاته والقوي في أعظم غطرسته بينما يُستبعد التوافق بين الشعوب والأنظمة أو بين الشعوب نفسها مع أن الخلافات بينهما لا تساوي شيئاً مقارنة بين مشروعين متناقضين تماماً مشروع إحتلالي صهيوني في الأرض العربية الفلسطينية ومشروع الدفاع عن الحق والدار والأعراض والمقدرات الذي لا تنكره شرائع الأرض والسماء.
في الفقه الإسلامي الواسع وفي ممارسة الرسول صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة المنورة ووثيقة المواطنة ودولة المواطنة ما يتسع لخلافات جميع المواطنين حتى مع سكان المدينة من اليهود، وفي أدبيات الديمقراطيات النظرية في العالم ما يفسح المجال للحرية والتعددية السياسية، وتداول السلطة وحفظ كرامة الإنسان، وفي المصير المشترك والهم الواحد ما يكفي للتفاهم بل ما يوجب التفاهم شرعياً ووطنياً وقيمياً ومصلحياً فهل بقي وقت للخلاف والنزاع؟!!
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول