العلامة البهي الخولي
قالوا: إنه فيلسوف... وإنه إنساني النزعة، يدعو إلى التسامح ولا يعرف التعصب ويذهب إلى المناداة بأن يكون دين الدولة الرسمي هو الإسلام في كل بلد أكثريته مسلمة...وقالوا: إنه عربي صادق الحب للعرب، يريد أن يجمع كلمتهم، ويبعث مجدهم الأغر يتبوءون به صدارة في الأرض من جديد... ومن أجل بعث هذا المجد، سمَّى حزبه (حزب البعث).
وأشهد أني لم أخدع في هذا الرجل يوماً من الأيام، ولا بفلسفته التي يدعونها له وينحلونها إياه...لم أخدع به ساعة من نهار، لا لأن مبادئه موضع ريبة أو خلاف من العرب، بل لأن تلك المبادئ نفسها كانت هي الضوء الذي كشف لي ما ينطوي عليه باطنه من التواء، ورسم حوله وعليه كل علامات الريبة والشك... فهي مبادئ ناصعة أبدع الخيال صياغتها واصطفاءها من أماني العربي والمسلمين، فليس بين العرب من لا يحلم بالوحدة، والتحرر، والسيادة، بعد ما ذاقوا من تمزيق الاستعمار ...
وعنت السيادة لتركية، وليس من المسلمين من لا يئن ضميره أسى على ضيعة مجد الإسلام وبأسه، الذي هو مجد العرب وبأسهم تلك آمال المسلمين في كل شبر من الأرض، أفيمكن أن ينهض لهم بالدعوة إليها ميشيل... وعفلق؟
وتمنعني اعتبارات الطائفية والأقلية في كل بلد عربي أن أسترسل في تحليل ذلك الموقف العفلقي الذي يقف فيه ميشيل داعياً إلى بعث مجد الإسلام !! ويكفي أني كنت أسأل نفسي: هل يفهم هذا الرجل ما يدعو إليه، أو لا يفهمه؟ فإذا كان لا يفهمه، فكيف سمّوه فيلسوفاً؟... وإذا كان يفهمه، فهل هو صادق في الدعوة إليه؟ أو منافق؟ وإذا كان صادقاً فيكف يتفق صدقه في الدعوة إليه وهو مؤمن بخلافه!!... إن الدعوة إلى الشيء فرع من حبه و الإيمان به، فكيف يجتمع حب الشيء والإيمان به، مع عدم الإيمان به في قلب رجل واحد، في وقت واحد؟!...
إن حماسة العفلق لتلك المبادئ كانت الإشارة التي كشفت لي كذب ذلك المنافق..
إني أفهم أن يؤيد غير المسلم مواطنيه المسلمين في طلب الحرية، لأن الجميع سيكونون في ظلها شركاء في وطن واحد، يبر كل منهم الآخر بما شاء من البر، مع القسط والعدالة، والاعتراف بحث كل في الاحتفاظ بعقيدته، وممارسة شعائره ونسكه على الوجه المرسوم له... أفهم أن يؤيد غير المسلم مواطنيه المسلمين في طلب الحرية على هذا الأساس العادل المنصف، أما أن يجاوز التأييد، فيحمل قيثارة رائعة، يغني عليها بفضائل الإسلام، ويذرف الدمع على مجده الضائع، ويدعو إلى استعادته بكل قوة، ويكون هو صاحب الصوت الأول الأرفع في ذلك، مسلماً أكثر من المسلمين، فدون ذلك وينكشف برقع النفاق عن وجه العفلق.
وثانية: لم أصدق من أجلها هذا الرجل ولم أخدع بظاهره الخادع، تلك هي فلسفة المدعاة... فإن المعروف أن الفلسفة هي إمعان الفكر في البحث عن الحقيقة، ولذا يمتاز نتاج الفيلسوف بالعمق، والجدة، والقوة... والعمق لا يجعله ميسور التناول لذوي التفكير المتوسط، لأنه يقع على شأو لا يبلغه ذلك التفكير إلا بمكابدة، و صبر، ورغبة...
وليس في إنتاج فيلسوف حزب البعث إلا الغموض وكدّ الذهن في معمياته، فإذا استطعت أن تفهم بعد طول الكد شيئاً مما قال، والتمست فيه أصالة أو جدة، أو قوة لا تجد إلا سطحية آسنة، أو معنى مما أبلاه التكرار على أقلام أوساط الكتاب... وتبين معه أن ما عانيت من مشقة في الفهم إنما هو أثر المنعرجات والمسالب الملتوية التي قطعها هذا الكلام في نفس العقلق منذ أن انبعث من كهفه المظلم في أغوارها إلى أن استقر على صفحة القرطاس، فالرجل معقّد النفس خبيث الباطن، قد دفعته ظروفه إلى أن يمثل دور هذا النفاق... فاجتمع عليه ثلاث كل منها آفة وحدها لجلجلة الجنان، وتعثر البيان... والتواء اللسان بمراده خشية أن ينم عن دخيلته... ومابرح ذلك كله آية الريبة والنفاق وفساد الطوية في كل عصر، والله سبحانه يقول في أمثاله: [فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ] {محمد:30}.
ولا شك أن كل من قرأ محاضر جلسات الوحدة لحظ (لحن القول) في فهاهة ذلك الرجل، حيث كان يحاول النطق فتمسكه آية النفاق، وتحبس المنطق على لسانه، فلا يملك إلا كلمة: يعني، يكررها مثنى وثلاث، وهو يخشى أن يبين عما يعني... فإذا سمّت زمرة البعث ذلك فلسفة وعمقاً، فمن الغباء بل من الجناية أن نغض عما يزينون، ونحن نرى فيه شواهد الكيد والإثم بكل ما لها من سمة الخديعة والالتواء.
وثالثة الكبائر من أمر هذا الناسك: أن المنطقة تسودها شبكة أحابيل الأخطبوط... أخطبوط الاستعمار البريطاني والأمريكي...
وقد كان له فيها سلطان سافر فيما مضى تؤيده جيوش البر والبحر والجو... والاستعمار يدرك كل الإدراك أنه إذا توحد العرب فقد فلَّ سلاحه، وبطل كيده، فلا تجد أحابيله ما تصيد... وإنه إذا بعث مجد الإسلام، فقد دالت دولته، ولف في نعشه وكفنه إلى حيث ألقت كل منية، بل قذف به إلى هناك في غير نعش ولا كفن... فإذا رأينا العفلق العتيد يلبس مسوح القدّيسين، ويدعو إلى التسامح ونبذ التعصب، ووحدة العرب، وينادي بجرأة بين زراعي وجبهة الأسد ـ بوجوب (بعث مجد الإسلام) والأسد راض غاية الرضا، أدركنا لباب الدور، فالأسد لا يرفض (إسلاماً) يجيئه به ميشيل... إنه ـ إذا ً ـ سلام يمكن له، لا إسلام يقض مضجعه ويقذف به إلى الجحيم...
فالمشيل لا يلقي الاستعمار بدعوة يجهلها أو يخشاها، لا يلقاه على هذا الوفاق والرضا، إلا على وفاق ورضا سابقين... ومنهاج مدبر وكيد عتيد.
إن الرجل آخر موديل اخترعه الاستعمار للتبشير السياسي بين المسلمين، بعد أن فشل موديل الخدمات الطبية والرياضية وموديل التبشير بترك الإسلام، واعتناق المسيحية، إنه موديل التبشير السياسي باسم الدعوة إلى التسامح وبعث مجد الإسلام... أسندت تجربته إلى العفلق، وجعل حزب البعث أداة تنفيذه.
فخلاصة القول في الرجل: أنه أحدث موديلات الخيانة والكيد التي لا يفتأ الاستعمار يبتكرها، ويجربها واحدة تلو الأخرى، ويجند لها كل ذليل فرغت نفسه من حساب كل عزة وفضيلة...
ذلك كان رأينا في تفاهة الرجل ودوره الذي يقوم به... ولكنا في الحق ما كنا نحسب أن تفاهته بلغت طراز ذلك الأحمق الذي قال للصبيان وهم يطاردونه: إن عرساً في بيت فلان، فلما انقلب الصبيان إلى العرس، ظن الأبله أن ثمة عرساً حقاً، فانطلق إليه يعدو خلف الصبيان...
وهذا الهر ـ أو الغر ـ الناسك قد غره دور شرذمة البعث المتصيدة للتصفيق أو التصديق لما يقول (الموديل)، فانقلب يصدّق حقاً أنه داعية إسلام، واستشرف إلى ما بعد منزلة الدعاة، أن تكون له إمامة أو وصاية، في الحمى المباح، يجدِّد لنا ما شاء من ديننا ويصلحه ـ شفاه الله ـ بما يتمشى مع المصلحة في العالم العربي... نعم، فقد أعلن سيادة الموديل المشيل في راديو دمشق الرسمي ما نصه:
(إن روسيا السوفيتية لجأت إلى مقاومة الدين، لأنه يخدر الشعوب، ولأن الدين يدعو إلى التواكل.. ونحن لا ندعو إلى مقاومة الدين، ولكنا سنقومه إلى الحد الذي يتمشى مع المصلحة في العالم العربي...).
فإذا علمت أن الدين في العالم العربي هو الإسلام لأنه دين الأغلبية العظمى، لم نكن مجاوزين الحق إذا اعتبرنا ذلك الناسك العميل قد أقام نفسه وصياً دينياً على الإسلام وأهله، بعد أن قد حسب أنه فرض عليهم وصايته السياسية والفكرية في سكرتارية حزب البعث... ودون ذلك ويندق عنق الوغد،وألف ألف وغد، وكل وغد على مثاله في الدنيا، ولو كان كل ما في الأرض من الاستعمار جنداً له...إن الأمر في الوغد لم يعد تفاهة تزين له العبث في السياسة، فإنه لو أقام نفسه مصلحاً للمسيحية ـ بوصفه أحد المسيحيين ـ لرآه إخوانه فيها حدثاً يستوجب الأخذ على يده، لا لأنهم يخشون تافهاً على دينهم، بل زجراً لمن احترفوا العبث بالسياسة، أن يعبثوا بعدها بما هو أقدس من الحياة... فكيف وهو يقحم نفسه على مقدسات الإسلام التي نفتديها بالدم والروح وما تعلق القلوب من مال وبنين... ولو كان سيادته مسلماً لكفاه إثماً أن يقحم نفسه فيما لا يحسن، فكيف وهو مسيحي يريد أن يصلح للمسلمين دين محمد بن عبد الله!...كبرت كلمة تخرج من فم هذا النجس أن يقول إلا إفكاً يحل دمه، ويهدر له كل حرمة..
وماذا في جعبة البعث من إصلاح للدين وماذا يريد سكرتيره أن يقوِّم منه؟ إنه لن يقوِّم منه إلا ما يراه عوجاً أو عيباً ـ أخزاه الله ـ فأي عوج أو عيب يريد أن يقوِّم هذا الخاسئ في ديننا الحنيف أنه على عادته في لجلجة النفاق يستهول ما يضمر للدين، فلا يجرؤ إلا أن يلفه لفاً فيما يموه به على الجماهير من رغبة في الإصلاح... ولكن (لحن القول) فاضح المنافقين يتولى كشف ما أضمره أو لفه في حقيبته.. واستمعوا قوله: (إن روسيا السوفيتية لجأت إلى مقاومة الدين، لأنه يخدر الشعوب، وأن الدين يدعو إلى التواكل... ونحن لا ندعو إلى مقاومة الدين، ولكننا سنقومه) فهو في هذه العبارة لا يجهر بعيب يراه في الدين، لكن ( لحن القول) يأخذ بأعيننا إلى أن سكرتير حزب البعث يرى في الدين ما ترى الشيوعية ويقرها فيما تتهمه به من أنه دين تواكل وتخدير للشعوب، وليس بينه وبينها من فرق إلا أنها (لجأت إلى مقاومة الدين ) أما نحن ـ أي حزب البعث ـ فلا ندعو إلى مقاومته، ولكننا سنقومه).
وإذاً ـ فحزب البعث لم يكتف بما ضلل وعبث في سياسة العرب حتى راح يلصق برسالات السماء أبشع التهم، وينعت رسل الله ـ خلاصته من خلقه ـ بأنهم مأجورون للطغاة وأرباب الغنى والرياسة لتخدير الشعوب وتنويم الجماعات عن حقوقها!!!.
فهل تصدق هذه الفرية ـ يا ميشيل ـ على إبراهيم عليه السلام، وهو الذي ألقاه الطغاة وأنصاف الآلهة في النار، بعد أن حاج الذي قال:[ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ] {البقرة:258}. فأفحمه، وألجمه، وأخرس لسانه؟
وهل يصدق ذلك يا سكرتير البعث على موسى الذي نازل من قال: أنا ربكم الأعلى؟!!
وهل يصدق ذلك ـ أيها المسيحي ـ على عيسى عليه السلام، حين تآمر عليه الاستعمار الروماني مع الخونة من اليهود.
ولو أنه سالم وخدر الجماعة لكانت الرعاية التي أحبطت كل مؤامرة ضده... ولما ختم أمره الخاتمة المعروفة؟..
وهل يصدق ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي رفع السيف مع من معه من العمال، والفقراء والمستضعفين في وجوه أبي جهل، وأبي لهب، وغيرهم من أئمة الجور والطغيان في بلاد العرب؟.
لقد سجل القرآن الكريم ماكان عليه هؤلاء من فقر، وهوان، وقلة.. ثم ما صاروا إليه من غنى وجاه وعزة فقال: [وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {الأنفال:26}.
وعهدنا بالمخدر المأجور ـ يا هؤلاء ـ أن يستولي على الكثرة، فينتهي بها إلى القلة، ثم ينتهي بالقلة إلى الفناء... أما أن يستولي على القلة فتغدو ـ بعون الله ـ جمهرة غليظة ضخمة، ثم يسمى بعد ذلك مخدراً، فتلك دعوى لا يستعلن بها إلا ممسوخ العقل ممسوخ الآدمية.
عهدنا بالمنوم أن يستولي على الجماهير القوية المخوفة فلا يزال يلعب بها لعبة، ويبذر فيها بذوره، ويسقي شعلها الملتهبة بالماء، لا بالنفط، حتى يصير الجمر المتقد رماداً، لا وميض فيه، ولا خوف منه... أما أن يستولي على المتفرقين فيجمعهم، وعلى الضعفاء الهامدين فيجعل منهم الشهب المحرقة، والسيول المتدفقة، والقوة الخارقة التي تنتصر بالرعب من مسيرة شهر، ثم يقال إنه نومهم لأهل الظلم والبعث، فهي ضلالة لا تجد من يعلنها في قطيع البعث وموديله الذليل، بعد أن شبعت الشيوعية من تكرارها على غير طائل...
وبعد... فماذا لدى البعث وسكرتيره من إصلاح للدين؟... إنه لم يتركنا هذه المرة نستخرج نبته من بين السطور كما فعل في سابقتها، بل أعلن غرضه واضحاً غير خفي، إذ قال: (ونحن لا ندعو إلى مقاومة الدين، ولكنا سنقومه إلى الحد الذي يتمشى مع المصلحة في العالم العربي...) وإذاً ـ فستتولى السيد ميشيل عفلق أن يطور للمسلمين دينهم، أو أن يقومه لهم إلى الحدّ الذي يتمشى مع المصلحة في العالم العربي... يريد أن يقوِّم لهم الدين على الحياة... لا أن يقوِّم الحياة على الدين!! فماذا يكون إفناء الدين ونسخه من الوجود، إذا لم يكن هذه حقيقة النسخ والافناء؟!...
يريد فيلسوف البعث، وأحدث موديلات الاستعمار في التبشير، أن يُقوِّم الإسلام على مقاييس المصلحة، لا أن يقوِّم المصلحة على مقاييس الإسلام... فإذا كانت المصالح متغيره متطورة، فماذا يبقى من دين تأذن منزله بقوله:[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]{الحجر:9}.فإذا لم يكن ذلك هو الحرب لله ورسوله، فماذا تكون الحرب؟؟!.
وقد تتفق المصالح في (العالم العربي) وقد نختلف باختلاف الظروف وعوامل البيئات، فلا يصلحها دين واحد، وإذاً فإمام العرب وقطب الإسلام حقيق بأن يصدر إلى كل دولة عربية ـ من جراب حزب البعث ـ دينها الطيّع وبرفقته طائفة من التعليمات التي يقوم بها هذا الدين أو يؤدب، كلما عصى أمراً، أو التوى لها في مصلحة...
وأراني أوشك أن آخذ هذا الرجل مأخذ السخرية، وهو بذلك قمين، لهوان شأنه وتفاهة حزبه، لولا أنه أعلن ما أعلن في إذاعة رسمية، وهو سكرتير دولة مكن لها الاستعمار في سوريا والعراق، لا سكرتير عصبة تائهة لا تملك من أمر نفسها ولا أمر غيرها شروى نقير، فالعفلق يقول في لهجة المستفسر: (إننا لن نقاوم الدين، ولكنا سنقومه).
والذي نعرفه أن المقاومة والتقويم إجراءات لا يملكها موديل هزيل كالسيد عفلق، إنما تملكها الدول بما لها من سلطة التشريع، وقوة الجند، وإمكانات الإلزام والقهر... فإذا تكلم العفلق عن التقويم، فهي نغمة لم يسمعها أحد منه من قبل أن يتولى حزب البعث سلطة الحكم... أي أنه يتكلم رسمياً عن رأي دولة البعث في الدين، وما تريد له من حرب، وتمزيق، وإفناء...وهي إذاً قالت فعلت، ولها من إمكانيات الدولة والاستعمار وخسة الضمير كل تأييد وسند.
إن ذلك الحمق جدير منا أن نأخذه مأخذ الجد، لا لخطورة ذويه بل لما يريد الاستعمار أن يشعل بأيديهم من فتنة في البلاد العربية لا تبقي ولا تذر...، الدم يقطر من كلام هذا العفلق الآثم، وقد استفتح هؤلاء عهدهم بالعراق بذبح خمسة آلاف شاب، وجعلوا فاتحة عهدهم بسوريا حمامات الدم يساق إليها خيرة أبناء العرب... وأقاموا من شعاراتهم في الظمأ إلى الدماء: اذبح... اقتل... اشنق... فإذا قاموا اليوم بفتنة الدين، فهي من مخطط الاستعمار لبعث البلبلة وتمزيق الشعور في العالم العربي، وإتاحة الدواعي لتصيّد الطاقات العربية الصالحة خلقاً وديناً بالألوف وعشرات الألوف، بأيدي هؤلاء الذين لا خلق لهم ولا دين... وبذلك يخلو الجو ـ فيما يقدر الاستعمار ـ من كل طاقة إيجابية حرة، فلا يبقي أمامه فيما يزعم إلا كل سلبي فاتر لا همّة له...
إن إعلان الفتنة بلسان ميشيل، هو عود الثقاب الذي أراد به الاستعمار تحدي مشاعر المسلمين في كل مكان، وتعجيل الانفجار الذي يريده...
فليعلم الاستعمار وكل عملائه في بعث الفتن، أن العالم الإسلامي عامة، والعربي خاصة، لن يغفر له لعبه بالنار، وسيقف قلباً وقالباً إلى جانب الشعب السوري في تجربته الآسية، وإنا لواثقون أن الأشاوس من أبناء سورية الحبيبة سيتولون تصفية الفتنة الجديدة، كما تولوا تصفية كل فتنة سابقة... وسيرى بعينيه أن فقاقيعه التي نفخها وأقامها قد ذهبت جفاء، ولم يبق أمامه إلا ما يحرق كبده من مناعة الإسلام، وعزة الشعب المجيد... وسنبصر وتبصرون، والله من ورائكم محيط، وإلى اللقاء فيما أردتم، وإن غداً لناظره قريب.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: منبر الإسلام السنة 21، جمادى الآخرة 1383هـ العدد 6.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول