
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، وبعد ؛
يقول الله تعالى : {وَالعَصْر ?إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر ? إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ?}[سورة العصر] .
تتعرّض ثورةُ الحرّيّة والكرامةِ في سورية منذ قامتلمَخاض عسير على كلّ المستويات ، وتطفو على السطح إيجابيّات كثيرة ، كما تطفو السلبيات ..
ولأسباب مختلفة ، ودوافع متعدّدة .. يضجّ كثير من الناس من بعض السلبيّات التي يرونها ، فيرفعون أصواتهم بالنقد المرير ، والطعن والتجريح ، وتوزيع التهم على الناس يمنة ويسرة ، فيزيدون بذلك السلبيّات أحمالاً ثقالاً ، ويعقّدون المَشهدَ بدلاً عن الإسهام في الإصلاح والترشيد ..
ويستغلّ العدوّ ما يجري إلى أبعد الحدود ، ويعمل على زيادته وتفاقمه ، وتشويه صورة الثورة ، والتشكيك بأهدافها ، ومن وراءها ..
كما يحتجّ ـ وللأسف ـ أولئك المتخاذلون عن نصرة إخوانهم ، فيشيعون تلك السلبيّات ، ويضخّمونها ، ليبرّروا مواقفهم المتثاقلة عن نصرة الحقّ وأهله ..
ويجمع أولو العلم بتاريخ ثورات الإصلاح والتغيير على مدى التاريخ أنّ الثورات لا بدّ أن تكتنفها سلبيّات ، وممارسات مخطئة ، ولا بدّ أن يندسّ في صفوفها أصحاب قلوب مريضة ، ودوافع مريبة ، ومستغلّون متاجرون .. ولا بدّ لأهل العقل والحكمة فيها أن تكون رعايتهم حكيمة واعية ، ورقابتهم دقيقة ، لترشيد مسار الثورة ، وتصحيح وجهتها ، وكشف المغرضين المفسدين ، وقطع الطريق عليهم .. وإلاّ كتب عليها الإخفاق ، وآل أمرها إلى البوار والاندثار ..
وإنّ كثيراً من المراقبين للثورة السوريّة المنصفين ،والمحلّلين المدقّقين ، ليؤكّدون أنّ ما أفرزته هذه الثورة من سلبيّات أقلّ بكثير من سلبيّات غيرها ، كما أنّه لا يمكن أن يقارن بالإيجابيّات التي حقّقتها حتّى الآن .. إنّها ولا شكّ في مخاض دمويّ عسير ، ولن يكون بعده بإذن الله إلاّ الولادة الجديدة .. لإنسان سورية ، وأرضها ، ونظامها ..
وتحقيقاً للنصح والرشد ، والتواصي بالحقّ في مسار الثورة واتّجاه أبنائها فإنّي أضع هذا الميثاق ، الذي سمّيته : «مِيثاقَ الحَقِّ والشَّرَفِ » بين يدي قادة الكتائب المجاهدين وأفرادهم ، وكلّ عامل لنصرة الثورة في أيّ ميدان كان ..
وكلّ ما فيه مستمدّ من كتاب الله تعالى ، وهو من حقائق الإسلام البدهيّة المسلّمة ، وإنّما أردت بذلك النصح والتذكير : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِين ? }[الذاريات:55] .
1 ـ الاعتصام بحبل الله المتين ، والتمسّك بدين الله تعالى ، والاستقامة كما أمر ، وطاعة اللهِ تعالى وَرَسُولِهُ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلّمَ في كلّ شأن ، فهو خير العدّة والزاد ، وأمضى السلاح ، وأقوى العتاد ، وهو الأصل الأوّل في حياة الأمّة ، والشرط الأكبر لنصر الله تعالى لها : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون ? وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين ?}[الأنفال:46] .
2 ـ اجتماع القلوب على الله ، وإخلاص العمل لوجههيسبق اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف ، كما يسبق أيّ حوار بين العاملين ..
والقلوب المجتمعة على الله تعالى ، ونصرة دينه ، والجهاد في سبيله من أهمّ أخلاقها وصفاتها : {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ ? }[المائدة:54] ، {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ .. ?}[الفتح:29] .
3 ـ الحرص على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف ، وإزالة العقبات التي تحول دون توحيد الرؤى والمواقف ، التزاماً بقول الله تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ، وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ، وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ?}[آل عمران:103] .
4 ـ الحذر كلّ الحذر من المنافقين مرضى القلوب ، الذين يثبّطون الهمم ، ويشيعون عن الأبرياء التهم ، وينشرونالأكاذيب عن العاملين المخلصين ، ويثيرون الخلافات ، ويسعون إلى زرع الشكوك ، وشقّ الصفوف : {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ، وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ، كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ، هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ، قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُون ? }[المنافقون:4] ..
ولا بدّ من حفظ ألسنتنا ، والتثبّت والتحقّق من أيّ كلمة نسمعها ، وأن نتحلّى بالوعي والبصيرة ، التي تقطع الطريق على المرجفين المفسدين : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ?}[الحُجُرات:6] .
5 ـ أخوّة الإيمان تحول بين المؤمن وبين العدوان على دم أخيه أو عرضه أو ماله ، أو ترويعه ، أو إهانته ، وعلى كلّ مُؤْمِن أن يسعى بالإصلاح بين المُؤْمِنينَ : {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ?}[الحُجُرات :10] .
6 ـ تفرّق الأمّة واختلاف كلمتها ، أخطر سلاح يقدّم لعدوّها ، وهو نذير عذاب عاجل ، ولا يتنزّل نصر الله تعالى ورحمته على أمّة مختلفة متفرّقة : {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم ? }[آل عمران:105] .
7 ـ التَّعَاوَنُ عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَى يعدّ الحدّ الأدنى لتأهّل الأمّة لنصر الله تعالى وتأييده ، وعونه وتمكينه : ( .. وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ، وَاتَّقُواْ اللهَ ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَاب ?}[المائدة:2] .
8 ـ على المسلم المُجاهِد أن يتَحلّى بالانضباط والطاعة ، ولا يتصرّف بأيّ عمل قبل الرجوع إلى قيادته ، وعليه أن يعلم أن لا طاعةَ لمخلُوقٍ في مَعصِيةِ الخالِقِ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ، إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ?}[النساء:59].
9 ـ على القيادات المسلمة أن تتواصل فيما بينها مباشرة وتتشاور ، وتتناصح وتتآزر ، وتتبادل المعلومات ، وتحرص على وحدة صفّ المجاهدين واجتماع كلمتهم ، ولا تترك مجالاً للمغرضين لبثّ الأراجيف ، والعبث بالعلاقة الأخويّة بين المُجاهِدين : {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوص?}[الصف:4] .
10 ـ على المسلم المُجاهِد أن يشتغل بما يعنيه ، ويقوّي استعداده ، ويرفع كفاءته المادّيّة والمعنويّة ، ولا يتعرّض لما لا علم ولا خبرة له فيه ، ولا يتجرّأ على الفتوى في الدماء والأموال ، وعليه أن يردّ الأمر كلّه إلى أهله ومسئوليه ، يقول الله تعالى : {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ،وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ?}[النساء:83] .
هذا ، وأرجو من الإخوة نشطاء الثورة في كلّ ميدان أن يلتزموا بهذا الميثاق ، ويتواصوا به ، كما أرجو من الإخوة قادة الكتائب أن يأخذوا العهد على منسوبي كتائبهم أن يلتزموا بهذا الميثاق ، ولا يخرجوا عنه ، والله الموفّق والهادي إلى سواء السّبيل .
{.. رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ، وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ?}[الكهف:10]
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ونبيّه سيّدنا محمّد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
والحمد لله ربّ العالمين .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول