من مظاهر تشوف الشرع الى الحرية في الفقه الإسلامي

 

 هناك قاعدة عند الفقهاء وهي أن الشرع يتشوف (أي يتطلع) إلى حرية الأفراد الذين استعبدوا بعد أن ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وبنى عليها الفقهاء كثيرًا من المسائل، منها: أن الأصل في الشخص الحرية بحيث إذا ادَّعى شخص آخر أنه عبد له طولب بالوثيقة التي تثبت ذلك. ومنها: أن الحر لا يباع، وعقد بيعه مفسوخ أبدا. 

 ثم إننا نلاحظ أن الفقهاء يتحدثون عن أحكام العبيد تحت أبواب ثلاثة، كلها تشير إلى التوقان إلى الحرية: كتاب العتق، وكتاب المكاتَب بفتح التاء، وكتاب المدبَّر، بفتح الباء المشددة. ومعنى المكاتَب: العبد الذي اتفق مع سيده على أن يعمل عند الناس ويجمع ثمن حريته، والمدبَّر هو الذي يقول له سيده: إن مت فأنت حر بعد موتي. وفي كل ذلك إشارة إلى أن العبودية استثناء.

 هذه هي الواقعية التي اتبعها الإسلام لمحاصرة آفة الرق البغيضة.

 وقارنوا أيها الإخوة بين هذه المعالجة الواقعية، وما وقع في أول عهد الحداثة من أخذ الأحرار واسترقاقهم، ثم الذهاب بهم إلى أمريكا، ثم انظروا إلى بعضنا عند ما يعيب الحديث عن الرقيق في الفقه. فهذه هي المقارنة الصحيحة. أما أن نحاسب الإسلام ومعه الفقه في قضية كانت دولية فهذا يدخل في ما يسمى بـ "جلد الذات".

 بقي أن أشير إلى أن الرق أو الحرية أو قضية الذكر والأنثى إن كل ذلك إلا موازين الدنيا. أما عند الله الخالق للجميع فهناك مقياس اخر ، وهو التقوى.

 ولذلك عندما بعث رسول الله قرَّب الذين استجابوا لدعوته، دون النظر إلى مراتبهم في الدنيا. وراجعوا أيها الاخوة سورة عبس. ولذلك لا نستغرب عندما نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سيدنا بلالا وسيدنا عبد الله بن أم مكتوم مؤذنين، والأذان من أشرف المناصب الإسلامية. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا عبد الله بن أم مكتوم إماما على المدينة في أكثر من غزوة.

أعطوني حضارة أخرى فيها هذه الخصائص لكي يكون حكمنا واقعيا غير "طوباوي".

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين