من خصائص الأخلاق في الإسلام

 


الإيجابية:

وتتمثل هذه الإيجابية في مظاهر شتى من أخلاق المسلم وسلوكه .

فوصايا الإسلام للمسلم أن يتجه للبناء بدل الهدم ، ويقول لهم : أميطوا الأذى عن الطريق بدل أن تسبوا الذين وضعوه فيه ، وأضيئوا شمعة للسائرين بدل أن تلعنوا الظلام ألف مرة.

النهي عن السب واللعن :

ومن هنا جاءت الأحاديث الكثيرة تنهي عن السب واللعن ، سب الاشخاص ، وسب الأشياء ، حتى عن سب الشيطان.

))لا تسبوا الريح فإنها مأمورة(( .

))لا تسبوا الحمى فإنها كفارة للخطايا(( .

))لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة((.

العيش في الماضي :

ومن صور الإيجابية في أخلاقية الإسلام : ألا يعيش المسلم في ماضية يجتر آلامه وذكرياته السود إن كان ماضياً أليماً ، فهو يتذكره متحسراً متندماً يقول : ليتني فعلت! ولو أنني تركت! مع أن ما فات مات ، وما مضى لا يعود كما قال الشاعر:

وليس براجع ما مات مني =بـ "لهف " ولا بـ "ليت" ولا "لو اني!

وهنا يكون الطب النبوي أنجع الدواء لمن هذه حاله: ))وإذا أصابك شيء فلا  تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان(( رواه مسلم.

ويقول القرآن في مثل ذلك : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {آل عمران:156} .

ومثل ذلك في السلبية إذا كان الماضي حافلاً بالأمجاد والمآثر ، وعاش المرء فيه لا ليأخذ منه زاداً لليوم ، وأملاً للغد ، ولا ليصل مجداً بمجد ، بل ليتغنى بمجْد الأجداد ، ويغطي إخفاق الأبناء بنجاح الآباء ، ناسياً هذه القاعدة الإلهية :[وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى] {النَّجم:39} .وهذه الحكمة الإنسانية:

إن الفتى من يقول : ها أنذا=ليس الفتى من يقول كان أبي!

العمل المنتج ما دام في الحياة متسع للعمل :

ومن مظاهر الإيجابية في الخلقية الإسلامية : أن يظل المسلم عاملاً في الحياة منتجاً ما دام فيه قدرة على العمل بل ما دام في الحياة متسع للعمل ، ولو لم ينتفع أحد من عمله بعد ذلك.

تأمل معي هذا الحديث النبوي الرائع: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة يريد أن يغرسها ، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها).

لماذا أمر الرسول أحدنا أن يغرس فسيلته في هذا الوقت ، وهو لا يستطيع أن ينتفع بها ولا أحد من بعده؟ فقد قامت الساعة ، وانفض موكب الحياة؟

هنا تتجلى حكمة الإسلام واضحة للعيان ، إن المسلم خُلِقَ ليعمل ، ليعمر الأرض ، ويبني الحياة ويشيع فيها الخضرة والنضرة ، ويجب أن يظل عاملاً فيها ، حتى تلفظ الحياة نفسها الأخير ، إنه تكريم العمل لذات العمل لا لما وراءه من منفعة ، وما أحسب ديناً ولا فلسفة ولا نظاماً ارتفع بتكريم العمل إلى هذا المقام.

الإيمان بالقدر خيره وشره :

ومن إيجابية المسلم : أنه يؤمن بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ولكنه لا يستسلم له استسلام من لا إرادة له ، ولا قدرة ، ولا عقل . بل يجعل من إيمانه بالقدر قوة تشدُّ أزره ، لا قيداً ، يعوق سيره . وقديماً قال علماؤنا : من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير.

وحديثاً قال فيلسوف الإسلام في الهند وشاعره محمد إقبال : المسلم الضعيف يحتج بقضاء الله وقدره ، والمؤمن القوي يعتقد أنه قضاء الله الذي لا يرد ، وقدره الذي لا يغلب!.

وفي هذا المعنى ورد أن أحد الصحابة سأله أحد قواد الفرس : من أنتم؟ فقال له : نحن قدر الله ، ابتلاكم الله بنا كما ابتلانا بكم ، فلو كنتم في سحابة لصعدنا إليكم أو لهبطتم إلينا!

وما أبلغ وأجمل ما رواه أبو داود في سننه: أن رجلين تخاصما عند النبي صلى الله عليه وسلم فحكم لأحدهما ، فقال المغلوب : حسبي الله ، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ))إن الله يلوم على العجز ، ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله((

دلَّه على أن مثل هذه الكلمة ))حسبي الله(( إذا قيلت في غير موضعها كانت برهاناً على العجز والسلبية والهرب من المواجهة وتحمُّل المسؤولية ، إنما الواجب أن يتصرف الإنسان بعقل وحكمة على قدر استطاعته ، فإذا غلبته أمور فوق طاقته كان من حقه أن يلجأ إلى الله قائلاً : ))حسبي الله ونعم الوكيل((.

البعد عن المراء والجدل :

ومن إيجابية المسلم : أنه لا يشغل نفسه بالمراء والجدل ، بل بالبناء والعمل ، فالمراء قلما ينتج خيراً ، والجدل إذا فشا في قوم شغلهم عن العمل المثمر ، وفي الحديث : ))ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل(( رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح.

وقال عليه الصلاة والسلام : (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ، ثم تلا :[ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ] {الزُّخرف:58} (( رواه البخاري.

والمسلمون في عصورهم الأولى كانوا أكثر الناس عملاً ، وأقلهم جدلاً ، ولم تظهر كثرة المراء ، والتعمق في الجدليات إلا بعد اختلاطهم بالأمم الأخرى ، فتأثر بهم من تأثر ، ودخل التنطع والتقعر على المسلمين فكدر عليهم صفاء فطرتهم ويسر دينهم.

تغيير المنكر بكل وسيلة ممكنة :

ومن إيجابية المسلم : أنه لا يقف أمام الفساد في المجتمع وشيوع المنكر فيه موقف المتفرج الذي يرى النار يتطاير شررها ، ولا يحاول أن يطفئها ، مكتفياً بالحوقلة والاسترجاع ، أو قائلاً : نفسي نفسي!

إنَّ الإسلام يفرض عليه أن يتقدَّم لتغيير المنكر بكل وسيلة ميسورة له ، وإلى أيِّ مدى قدر عليه ، فإن كان له سلطان وقُدرة بحيث يستطيع تغييره باليد ، أي بالقوة ، فليفعل ولا يدخر وسعاً ، وإن عجز عن هذه المرتبة فلينزل إلى المرتبة الثانية وهي : التغيير باللسان ، مبيناً معرِّفاً أو واعظاً مخوفاً أو زاجراً معنفاً ، فإن عجز عن هذه الدرجة فليس أمامه إلا المرتبة الدنيا التي ليس وراءها من الإيمان حبة خردل وهي مرتبة : التغيير بالقلب.

مرتبة التغيير بالقلب تمثل الإيجابية :

صحيح أن هذه المرتبة هي أضعف الإيمان ، ولكنها لا تمثل السلبية ، كما يتوهم بعض الناس ، إنها ليست سكوتاً عن الباطل كالذي قيل فيه : الساكت عن الباطل شيطان أخرس ، لا إنما هو سكوت ربما كان أبلغ من الكلام ، إن اللسان قد صمت ، ولكن الذي يرى هذا المسلم الصامت أمام المنكر يرى ويحس بأن وجهه وقلبه ، وكيانه كله يتكلم منكراً على الباطل ، فهو يغلي من الداخل ، ويحمل بين جنبيه شحنة شعورية وانفعالية هائلة ، يوشك أن تنفجر يوماً فتأتي على بنيان المنكر من القواعد ، ولو كانت هذه المرتبة مجرَّد سكوت مطلق ، ما سماها الرسول صلى الله عليه وسلم (تغييراً بالقلب) ، فإن محض الترك والصمت لا يسمى تغييراً.

مقاطعة مرتكبي المنكر :

وأدنى مظهر عملي للتغير القلبي مقاطعة مرتكبي المنكر ، وقطع الصلة بهم ، ولا يصنع المسلم هنا ما يصنع بنو إسرائيل مع فسَّاقهم وظلمتهم ، حيث كانوا يواكلونهم ويشاربونهم و يجالسونهم وإن لم يشاركونهم في فسقهم وظلمهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم.

غلو المتصوفة في تعاليم الشرع :

لقد غلا بعض المتصوفة في كثير من التعاليم التي جاء بها الإسلام ، فخرجوا بها عن معانيها ومفاهيمها المقصودة بها شرعاً ، ومالوا بها إلى الإفراط أو التفريط.

فمنهم من غلا في معنى ))الزهد(( حتى انتهى بهم إلى رفض الدنيا التي هي مزرعة للآخرة.

ومنهم من غلا في معنى ))التوكل(( حتى انتهى بهم إلى طرح الأسباب التي أقام الله عليها هذا الكون .

ومنهم من غلا في الخوف من فتنة النساء حتى انتهى إلى رهبانية كرهبانية النصارى.

أو غلا في الحذر من شر الناس حتى انتهى إلى عزلة عن الناس والحياة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين