معنى التسليم بالقضاء والرضا به‎


 

 

عبد الرحمن أبو ذكري
 

 
جوهر عقيدة القضاء والقدر في الإسلام هو التسليم بما وقع والرضا به، وإن سعينا لتغييره. لهذا، فالمسلم لا يقدس التاريخ؛ فهو موضع التجربة والخطأ الإنسانيين ومحل الابتلاء.
ومن الإيمان بالقدر التسليم بما وقع، ولو كرهته ورفضت الإذعان له. إن التسليم بالقضاء -وهو شطر الإيمان- أول خطوة على طريق تغيير الواقع، وهو ما تعبدنا الله به. إذ لو أنكرنا الواقع وحوداثه، لنكلنا عن تغييرها لتوهمنا انتفائها؛ ولتقوضت حتى مقدرتنا النفسية على تجاوز الواقع وصولًا لتغييره.
 
ويلي قبول الواقع والتسليم به؛ فهم أسباب هذه الحوادث وإدراك السنن الربانية التي تشكلت في إطارها، ثم إدراك تراكمات الأفعال البشرية في إطار هذه السُنن، وكيف وقع ما نستحق بأعمالنا؛ سواءا أولناه باعتباره منحة أو محنة: ابتلاء أو عقاب، تمكين رضا أو تمكين تربص! وهذا من تمام الإذعان للوحي، والتحقق بالكبد في ظلاله.
 
يلي ذلك شحذ الشعور بانفتاح الأفق التاريخي، تفاؤلًا؛ وأن الفعل الإنساني جزء من صيرورة لا يعرف نهايتها إلا خالقها، وأننا تعبدنا بدوام غرس الفسائل ولو كنا بصدد نهاية التاريخ وقيام الساعة، وذلك كما أمر الصادق المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه. فإن اليقين في انفتاح التاريخ مع اليقين في يوم آخر نجهل موعده؛ هو ما يجعل الفعل الإنساني مكتملًا بصدق الرغبة وحرارة الشعور إخلاصًا في ابتغاء وجه الله سبحانه.
 
هذه المتتالية تؤدي تلقائيًا لتقويض الانهمام الوثني بالنتائج النهائية، بما أن النتائج موكلة لرب العزة سبحانه ليظهرها أينما شاء وكيفما شاء؛ فما تعبدنا سبحانه إلا بالعمل. وإذا سقط الانهمام بالنتائج؛ علم المؤمن أنه قد بلغ قدرًا من الإخلاص بإذن الله، فليُصف قلبه وليستقم على ذلك. وليؤمن أن عمله، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير؛ مجرد اجتهاد "زمكاني" يؤجر عليه بإذن الله في الحالتين.
 
إن المؤمن لا يُمكّن لنفسه ولا لأهله ولا لقومه تمكين رضا؛ وإنما هو تمكين تربص واختبار. لكن تمكين الرضا والتوفيق هو تمكينه من إبلاغ دعوة الله في اﻵفاق. إنه لا يمكّن ما لم تكن هذه وجهته الوحيدة ودافعه الأوحد الذي استقام عليه ظاهره وباطنه.
 
وحتى في هذا التمكين، فإنه لم يتعبد سوى بإبلاغ الرسالة. أما إصلاح القلوب وهدى الخلق، فإنه موكول إلى خالقهم.
 والله يهدي إلى سواء السبيل.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين