ماذا يجري في ليبيا (3)

 

حالُ الإسلاميّين في ليبيا: بعد الثورة، وخلال (معركة الكرامة!)

 

 

السلاح وبناء الدولة:

-      عاشت الحركات الإسلاميّة في دول الربيع العربيّ فترة من الزهو بانتصار أهدته شعوبها لتلك الحركات على من استعبد الشعوب لعقود، ولكنّ جملة تلك الحركات لم تكن تعتقد أنّ المحافظة على هذا النصر، وجعله مكسبًا حقيقيًّا لها أمرٌ يتطلّب كثيرًا من الجهد والتخطيط.

 

-      ولم تكن الحالة الليبيّة استثناءً من حيث الأصل، لكنّها كانت استثناءً من حيث الشكل، فقد انفردت الحركات الإسلاميّة في ليبيا بتملّكها أسلحةً استولت عليها من غنائم معاركها مع النظام السابق.

 

-      ومن هنا فقد كان للإسلاميّين وضعهم السياسيّ والعسكريّ الخاصّ في ليبيا.

 

-      كان لحملة السلاح من المتشدّدين دورهم الواضح في صياغة شكل الدولة، وللأسف فلم يكن للإسلاميّين المعتدلين وجود في هذا التشكيل إلاّ عبر صناديق الاقتراع.

 

-      فاز الإسلاميّون (المحزّبون) بفتات المقاعد في المؤتمر الوطنيّ العام (البرلمان)، واستولت على سائر مقاعده الحزبيّة الأخرى الأحزاب العلمانيّة بقيادة العلمانيّ الأبرز في ليبيا (محمود جبريل)، ولولا أنّ المقاعد المخصّصة للمستقلّين فاز بها من ينتمون للتيّار الإسلاميّ الوسطيّ المعتدل لسقطت ليبيا في أيدي العلمانيّين منذ اللحظة الأولى.

 

-      لم تكن معادلة السلاح غائبة عن العلمانيين، ولذلك فقد أمّنوا لأنفسهم دعمًا من عددٍ من الكتائب.

 

-      وخلال سنواتٍ ثلاثٍ استطاع الإسلاميّون أن يُحافظوا مع تقلّب الحكومات والأجهزة التشريعيّة والرّقابيّة في الدولة على مستوى مقبولٍ من الحضور.

 

-      لم يتمكّن الإسلاميّون من فرض رأيهم في الأمور الحسّاسة إلاّ ما تمّ عن طريق الاقتراع في (البرلمان)، ولكنّ العلمانيين لم يتقبّلوا فكرة المشاركة في القرار السياسيّ والعسكريّ أصلاً؛ فاستهدفوا من كان زميل الثورة بالتشويه والشيطنة، حتّى اقتنع كثيرٌ من الليبيّين بأنّ (البرلمان) ما هو إلاّ دميةٌ في أيدي الإسلاميّين، وأنّ (الإخوان) هم المحرّكون للبلاد، وبالتالي كلّ ما سيقع من خراب سيتحمّلون مسؤوليّته!

 

الاغتيالات واتّهام الإسلاميّين بها:

-      بدأت حالة الانفلات الأمني تظهر بوضوح بعد محاولة لثورة مضادّة سريعة فاشلة قام بها التيّار العلمانيّ في ما سمّوه (جمعة إنقاذ بنغازي)، فبدأت بعدها الاغتيالات والتفجيرات والانفلات الأمني، ليتحمّل وزر ذلك كلّه من يُسيطر على المشهد بزعمهم!

 

-      على الرغم من قلّة عدد الإسلاميّين (المحزّبين) في (البرلمان) إلاّ أنّهم لم يُسارعوا إلى نفي هذه التهمة عنهم، ولا اهتموا بما تقوله وسائل إعلام من الدرجة الثالثة من وجهة نظرهم، فأسقطوا من حساباتهم التجهّز لمرحلةٍ بقي الخصم السياسيّ يتجهّز لها لأكثر من سنتين.

 

-      استطاع العلمانيّون خلال هذه الفترة التجمّع مع بعض بقايا النظام السابق، تحت دعم فكرة أنّ هؤلاء الإرهابيين هم من يقوم بالتفجير والاغتيال؛ رغبةً في تحطيم صورة الإسلاميّين (الثائرين والمخلّصين من الاستبداد) في عقول الناس، فتوافق على هذه الرغبة كثيرٌ من بقايا النظام السابق وعلمانيين ومدعومين من الغرب ومجموعة من المجرمين الذين تمّ تهريبهم من السجون.

 

-      تنامت فكرة الفدراليّة في أوساط بعض مثقّفي المنطقة الشرقيّة، وكان منهم بعض أصحاب الاتّجاه الإسلاميّ المعتدل، ممّا شتّت هذا التيّار، وأضعف حضوره في الساحة السياسيّة.

 

-      استمرّ حمل الإسلاميّين المتشدّدين للسلاح، فيما سلّم أكثر المعتدلين أسلحتهم وانضمّ بعضهم لوزارة الداخليّة في قوى أمنيّة استخباراتيّة أوكلت لها مهام ثانويّة! وانضمّ آخرون إلى وزارة الدفاع أو غيرها من الوزارات كأفراد.

 

-      أعطى الإسلاميّون المتشدّدون باستمرار حملهم للسلاح مبرّرًا مقنعًا لكثيرٍ من العوامّ بضربهم، وذريعةً عند أعدائهم لاتّهامهم بعمليّات القتل والتفجير، لكنّهم في ذات الوقت لم يكن لهم خيار؛ لأنّ تخلّيهم عن السلاح كان يعني تسليم الدولة لأعدائهم أذيال النظام السابق على طبق من ذهب.

 

-      طالب الثوّار من الإسلاميين بمراعاة تضحياتهم قبل الثورة وأثناءها وبعدها في تشكيل الدولة، ولم تلق مطالبهم تلك أيّ قبولٍ لتغوّل الدولة العميقة في أجهزة الدولة الليبيّة.

 

موقف الإخوان المسلمين:

-      اتّسم موقف الإخوان المسلمين في ليبيا باعتبارهم أقدم وأكبر جماعة إسلاميّة موجود على الساحة بالوضوح تجاه جماعة أنصار الشريعة، فهناك تباينٌ كبيرٌ في الرؤية لمستقبل البلاد، وطريقة إدارتها، وهناك تفاوت في التعاطي مع الواقع، وفي النظرة إليه.

 

-      تأثّرت شعبيّة (الإخوان المسلمون) في عيون الليبيّين كثيرًا بما جرى لهم في وسائل الإعلام المصريّة من شيطنةٍ ومبالغةٍ في الاتّهام بالباطل، وازدراءٍ، ومحاربةٍ للمنهج والفكر والأشخاص! حتّى صار مجرّد الانتساب إلى الإخوان تهمةً، ومجرّد الاتّهام بالانتساب إلى الإسلام السياسيّ يحتاج إلى تبرئةٍ!

 

-      نظرًا لأنّ مصر مؤثّر كبيرٌ في صناعة السياسة والرأي العام في ليبيا، فقد شمل الاتّهام كلّ منتسبٍ إلى الإسلام السياسيّ، وأُلصق بكلّ عاملٍ للإسلام تهمة الانتماء للإخوان؛ فأقدم بعض المغرّر بهم على الاعتداء على اشخاص منتمين لتيّارات إسلاميّة مختلفة، ووصل التطاول مداه حين صار السبّ العلنيّ لمفتي الديار الليبيّة ونائبه غير مستنكرٍ في بعض وسائل الإعلام! بتهمة انتمائهما للإخوان، وما هما منهم!

 

-      اعتدي على بعض مقارّ الإخوان والأحزاب الإسلاميّة الأخرى في عددٍ من المدن الليبيّة، واضطرّ الإخوان إلى إغلاق بعض مقارّهم وجعل بعضها سرّيًّا دون لوحات أو إشارات، أو حتّى إعلامٍ للجيران بطبيعة نشاط هذا المكتب، ممّا يعيد إلى الأذهان -نوعا ما- العمل أيّام النظام السابق!

 

-      اضطرّ أعضاء الحكومة (الوزراء) إلى الانسحاب من وزاراتهم، وترك مناصبهم نظرًا للضغط الشعبيّ المتزايد فقدّموا استقالتهم الجماعيّة من الحكومة، وفقد الإسلاميّون بذلك نقطة ارتكاز أساسيّة في تحريك الأحداث وصناعتها سياسيًّا وشعبيًّا.

 

مرحلة (حفتر!):

-      بدأ (حفتر!) معركتَهُ ضدّ الإسلاميّين باسم (الكرامة) واضعًا الحرب على الإرهاب والتكفيريّين شعارًا لمعركتِهِ، ولم يجد من يُناصرُه من الثوّار (غير المتحزّبين)، وقد بدأ معركتَهُ بدعمٍ خارجيّ: ظاهرٍ من مصر، وخفيٍ من دولٍ أخرى (تدعم مصر!)

 

-      حاول (حفتر!) أن يخلط أوراق الإسلاميّين فبعد خطاب الزهاوي زعيم أنصار الشريعة سارع بقصف معسكرات لإسلاميّين أكثر اعتدالاً (شهداء 17 فبراير).

 

-      للأسف! فإنّ موقف الإسلاميّين عمومًا اتّسم بردّات الفعل غير المنضبطة التي خلت من تنسيق المواقف بين الإسلاميّين على مستوى ليبيا، بل على مستوى بنغازي!

 

-      قوّة الإسلاميّين اليوم مستمدّة من سلاحهم أكثر من استمدادها من صناديق الاقتراع، وهو ما يجعل احتمال فوزهم في انتخابات البرلمان القريبة القادمة محلّ شكّ! لكنّ هذا لم يمنعهم من الدخول في هذه الانتخابات بشكلٍ فرديٍّ بخلاف جماعة الإخوان المسلمين التي لم تتخذ حتّى الآن موقفًا واضحًا من مشاركتها في الانتخابات النيابيّة القادمة بقوائم معلنة!

 

-      يمتلك (حفتر!) سلاح الجوّ، وليس له وجود مؤثّر داخل المدن الليبيّة عمومًا وبنغازي خصوصًا؛ ممّا يسهّل عليه عمليّات القصف الجوّي التي كثيرًا ما تُخطئ أهدافها أو تكن أهدافها ليست ذات قيمة إلا في إغاظة الناس وإخافة الآمنين ممّا يؤدّي إلى تناقص الحاضنة الشعبيّة له.

 

-      للأسف أيضًا! لم يستغلّ الإسلاميّون حتّى الآن أخطاء حفتر وتاريخه في محاولة التقليل من دعم الناس له بشكلٍ رسميٍّ؛ وإن صدر بيان (خجول) من حزب العدالة والبناء (ذو الرعاية الإخوانيّة) يُحاول استغلال هذه النقاط!

 

-      لم يُشكّل الإسلاميّون حتّى الآن مجلسًا موحّدًا للنظر في تحدّيات المرحلة وسبل الخروج منها وآليات العمل للمستقبل، وإن كانت هناك محاولة (شعبيّة) على مستوى بنغازي فيما يخصّ الانتخابات تحت اسم (تنسيقيّة العمل الوطني) ولكنّها لم تؤدّ دورًا يُذكر في إدراة المرحلة، بل كان هدفها المحدّد تنسيق العمل بين القوى الإسلاميّة في مراحل الانتخاب المختلفة.

 

-      هناك إجماع بين القوى الإسلاميّة (ما عدا السلفيين) على محاربة (حفتر!) وأنّه داءٌ وبلاء، وإن اختلفت وسائل (الحرب) بين سياسيّة وعسكريّة، واختلف توصيفُه بين (خارجٍ) و (باغٍ) و (كافرٍ!).

 

نسأل الله أن يقي بلاد المسلمين شرّ الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحمي من يريد لشرعِهِ تطبيقًا، وبالمسلمين رحمةً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين