ما الحب إلا للحبيب الأول

من أدب الثورة :


في كل يوم لنا موعد مضروب مع العشق والهيام....
أكل الحب أفئدتنا، واستباح حمانا، وصيره كلأً مباحاً...
لكن ماذا نفعل إن خان المحبوب، ونسي كل العهود...؟!
بين أربعة جدران تعطلت من كل زينة...إلا من ذكريات العابرين، وآلام المتأوهين...
في مكان توقف فيه الزمن، وانشلت فيه عقارب الساعة...
على بيداء أكلها العفن، وطافت فيها شياطين العذاب....
بين أقوام قُذفوا من عالم الشهادة.. إلى عالم الغيب...
....بين هذا وذاك...تتعطل كل الحواس، وتتوقف الأعضاء عن عملها المعتاد...فلم يعد للطعام معنىً، لأن الحياة لم يعد لها قيمة...وليس للأنف وظيفة، لأنه حرم نعمة الهواء...أما العين فقد استقالت من أداء مهمتها فلم يعد لها قيمة في وطأة الظلام....
في كلمة واحدة...لقد أصبحت في عالم الغيب !!
لكن مازال القلب ينبض بما يهبه الحياة...مازال يحيا بل طابت له هنا الحياة...اعتاد في وقت مضى طول النوم والرقاد....لكنه اليوم يصحو...وقد أضناه البعد، وطول الغياب...
لا يتحرك في ذاك المكان إلا من تفيض الدموع استجابة لطرقاته المضطربة...فيعود إلى الماضي...ليجد فيه الأنس من لهيب الحاضر...
لكن الحاضر غدا مغيباً وراء البحار، وإن لم تفصله عنه إلا أمتار في حساب المكان...
فما يجد له سلوة إلا في ترديد أغاني تلك الأيام...أيام كانت دمشق تساقيه خمرها حلالاً..
أيام كان يذرف الدموع إشفاقاً من فراقها...وهي تحلف أغلظ الأيمان ألا تجور عليه...
نسيت دمشق عهودها، وتنكبت وعدها...بعد أن كان الوفاء ممزوجاً في ترابها...
حطمت نسرها جيوش الكبر والخيانة...واستبدلته بغراب يتغنى بإذلال أحبابها....
لكن إلى متى ؟!
ما الحب إلا للحبيب الأول ...فمهما أكلت منه القيود...ومهما حطت منه الأغلال...ومهما أفسدوها العذال...سيظل عاشقاً لتربك الفتان...حتى يعود النسر إلى قبته شامخاً أبياً...


مؤسسة زيد بن ثابت


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين