كلمات في أزمة القيادة

 

إن المتأمل بعين البصيرة إلى أزمات الثورة السورية المباركة يجدهاا لا تخرج عن أربع أزمات رئيسية 

أزمة_قيادة تهميش الحفيظ العليم والقوي الامين وتقليد الرويبضة

أزمة_فكر انحراف الغالين تأويل الجاهلين انتحال المبطلين محاربة الاعتدال

‏أزمة_إدارة في الملف العسكري والاعلامي والمنطقة المحررة والملف السياسي 

أزمة_أخلاق تغليف حظوظ النفس بمبررات شرعية

 

سنفرد الحديث في هذه الكلمات عن أزمة القيادة 

إن أزمة الامة بين يدي الساعة هي ‏أزمة قيادة وقد جاء في الحديث الصحيح ما يؤكد صحة هذا الأمر الخطير وربطه بأمارات قيام الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 

اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة .....اذا وسد الأمر الى غير اهله فانتظر الساعة ) والأهلية هي (القوي _الامين )

نحن لا زلنا نحمل ثقافة الطغاة في فهم القيادة المرسومة في أذهاننا من خلال قبضة السيطرة والجبروت والنظر لها على أنها مغنم وليست بمغرم والعاقل من يهرب من الأمارة ويطلب العون عليها قال تعالى عن يدنا موسى عليه السلام ( واجعلي وزيراً من أهلي )والجاهل بغرمها من يطلبها فكان توجيه النبوة ( إنا لا نعطي هذا الامر من طلبه ) إذا القيادة هي ثقافة والثقافة تتناول الجانب المعرفي والسلوكي كما بين مالك بن نبي ولكن لا يزال قادة ثورتنا يستصحبون الصورة النمطية لقيادة الطغاة في أسلوب القيادة وفلسفتها ولا زلنا نحمل عقلية الاستفراد والاستبداد بالامر والاستقلال بالراي آفة الامراء فهذا نبي من اولي العزم يقول له تعالى ((سنشد عضدك باخيك )

كثير منا قد يظن أن القيادة الناجحة هي من يغلب عليها سمت التقوى والوقار والطيبة والحقيقة ليس كل تقي يصلح للقيادة والإمارة ( يا أبا ذر انك رجل ضعيف وإنها امانة ...لا تأمرن على انثين ولا تولين مال يتيم ) 

بل عند تعارض قيادة القوي الفاجر مع التقي الضعيف يقدم القوي الفاجر على التقي الضعيف 

كما رجح ابن تيمية رحمه الله فإن التقي الضعيف خيره لنفسه والقوي الفاجر خيره للأمة وفجوره على نفسه

عدم الإجتماع على قيادة موحدة هو مرض إسرائيلي أصاب اليهود من قبل حتى حسم الأمر بوحي من السماء 

فاختار لهم طالوت ملك مع ذلك عادوا للإعتراض وقالوا (نحن أحق بالملك منه )وهذا لسان حال جميع قادة ثورتنا أنا أحق بالقيادة منه هنا المصيبة عندما تريد جمع رؤوس قوم كلهم يرى بنفسه أهلية القيادة ولا يحسن الجندية والتجارب تثبت أن افشل القادة هم الذين لا يحسنون الجندية . فالقائد الحقيقي لا يأنف أن يعود جنديا بعدما كان قائدا كما فعل سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه لما عزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

تعريف القيادة: القيادة في أدق تعاريفها هي القدرة على تحريك الأتباع نحو الهدف وللإنصاف قد توجد القيادة ذات الكفاءة ولكن في جو من الفساد الإجتماعي والانحطاط الأخلاقي لا تستطيع أن تحرك الأتباع 

فهذا موسى عليه السلام لم يستطع تحريك الاسرائيلين لدخول الأرض المقدسة لذلك كثيراً ما تكون أزمة القيادة في الأتباع

_من أهم صفات القائد الإجابة على أسئلة التخطيط الخمسة ؟ من نحن ؟ وماذا نريد ؟ وكيف نصل ؟ وماذا يمنعنا ؟ وكيف نتجاوز الموانع؟ يعني تحديد الهوية والماهية للجماعة وتحديد الأهداف والرؤية وتحديد الطريق للوصول للهدف وفهم الواقع بتحديد نقاط القوة والضعف والتحديات وأن تكون أهدافه حقيقية قابلة للقياس ممكنة التحقق 

_من أهم صفات القيادة كما وصفت قريش رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (الصادق _الأمين ) أتحدا أن تجد قائد في ثورتنا لديه شفافية في كشف الحسابات المالية ولا يستعمل كذب المصلحة على المسلمين

_القيادة في أبسط تعاريفها هي حكمة القرار وفاعليته 

استشارت امرأة (بلقيس )قومها فرست بهم على شاطئ النجاة (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون )

واستبد رجل (فرعون )برأيه على قومه فأوردهم موارد الردى والهلاك فقال ( ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد)

أنجح القيادات تلك التي تقود الجماعة بحافز المحبة والتعلق العاطفي بالقائد والثقة المبصرة التي لا تتأتى من المظاهر الجوفاء ولكنها نتيجة لزمن طويل من التضحية أما قياداتنا فلا تستطيع تحريك جندي إلا والحافز المادي هو المحرك الأقوى فإنه من المؤكد أن الجذب الأخلاقي لعاطفة الجنود أقوى بكثير من الجذب المنهجي والفكري بل ربما يسقط المشروع الفكري الصحيح بسبب سوء أخلاق من يحمله قال تعالى ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) حتى أن الكثير من المناهج المنحرفة راجت بين الناس بسبب ما يظهر أصحابها من دماثة الخلق في دعوة الناس .

أكثر كلمة صارت ممجوجة في ثورتنا هي كلمة قائد توافقي الذي يساوي قائد بلا صلاحيات بلا قرار بلا شخصية محاط بمجلس شورى أشبه بمجلس الوصاية غاية همه إدارة التناقضات واحتواء اللوبيات في فصيله وتقبيل اللحى مما يعكس ضعف القيادة الذي يعود على الفصيل كله بالضعف والترهل والتردد .

 

عندما تكون العروة الوثقى لتماسك الجماعة هي المصلحة النفعية البحتة هنا تصبح القيادة منكوسة بمعنى أن الاتباع هي من تسير رأس الهرم على هواها ويصبح رأس الهرم خاضع ذليل يمارس إمارة صورية مهمتها تأمين غطاء لتنظيم حالة اللصوصية فتتسود السفلة لقيادة الدفة الأمر الذي يفضي بالحتمية إلى المسار المنحدر كا يقول الشاعر 

إذا صارت أذنابنا رؤوساً لنا /صرنا بحكم الطبع نمشي إلى الورا

لقد صار لكل أمة سامريها الماكر ولكل امة عجلها الخوار

وقد تعددت العجول في ثورتنا عجل المنهج عجل الغلو عجل الامارة عجل الخلافة وعجل الداعم لايمكن اصلاح الجماعة بإحراق العجل ونسفه في اليم وترك السامري يعبث بين صفوفها بل لا بد من إخراج ذلك السامري من بيننا 

حتى لا تبقى اداة إنتاج العجول تعمل فعندما يغيب موسى عن القيادة لابد تعكف الهمج الرعاع على العجل .

إن القيادة التي لا تخرج من أتون المحن ومعترك الجهاد لاتأمن عليه تضيع الأمانة وبيع القضية والتصرف بجهالة فليس من سقى مبادئه بالدماء كمن سقاها بالكلمات 

(وقتل داود جالوت واتاه الله الملك) يعني لا تقبل القيادة غير الميدانية فالميدان كما أنه يكشف معادن الرجال فإنه يربي ويعد ويصقل المواهب والخبرات .

 

إن ضرورة المرحلة تؤكد بأننا نحتاج إلى قادة بلا مجد وبلا شهرة وبلا بريق, فى حاجة إلى جنود مجهولين, فى حاجة إلى فدائيين حقيقيين لا يعنيهم أن تصفق لهم الجماهير ولا أضواء الكميرات ولا أن تطأطأ لهم الهامات وأن ترفع لهم القبعات . يعملون بصمت وخفاء تقي نقي خفي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين