صدر عن دار الفكر دمشق كتاب (تحت راية القرآن) للشيخ عبد الكريم تتان، وهو يحمل عنوانا فرعيا (نقض افتراء من زعم أن في القرآن أخطاء) حيث تناقلت بعض المواقع الإلكترونية شبهات حول وجود أخطاء لغوية ونحوية في القرآن الكريم. والكتاب يعرض هذه النصوص ثم يذكر وجه الإعراب فيها، مشيرا إلى معنى بلاغي، قد لا يخطر في بال الإنسان العادي، وهذا ما يجعل الكتاب أبعد ما يكون عن الدفاع عن القرآن الكريم بقدر ما هو بيان لجهل الجاهلين بلغة أمتهم وبيانها الرائع.
قدم للكتاب الدكتور محمد مطيع الحافظ رئيس قسم المصحف الشريف في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي مقدمة استعرض فيها بصورة موجزة تاريخ نزول كتابة القرآن الكريم، ثم أورد ما في الكتاب من قيمة علمية من حيث الأدلة الدامغة على إعجاز القرآن البلاغي، كما قدم للكتاب أيضا الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير المفتين في دبي.
وقدم للكتاب كذلك النبوي محمد الصباغ الذي تكلم عن إعجاز القرآن الكريم، ثم عن عصور توالت، ضعفت فيها ملكة اللغة بحلول العامية واللهجات المحلية والاعتماد على اللغات الأجنبية، فإذا بفئة ضالة تتطاول على القرآن الكريم وتتعرض لبعض آياته التي خيل إليها أنها بعيدة عن الصواب، مع كونهم لم يدرسوا اللغة العربية، ولم يعرفوا أصولها وتراكيبها وأعاريبها، واذا بهذا التحدي يفجر في شيخنا الجليل كل طاقاته فتألق إيمانه وفكره كما تتألق الأفكار العظيمة وقت الأزمات والشدائد.
تلا ذلك مقدمة المؤلف التي ذكر فيها بوجوه اعجاز القرآن الكريم العلمية والبيانية ثم بين أن القرآن الكريم كان قد تحدى أهل الفصاحة والبيان بأن يأتوا بسورة من مثله.
ولا يعجب المؤلف من الإشكال إن وقع في خاطر المرء وإنما يعجب من المشاكسين الذين يتضح لهم الحق، ثم يصرون على الإشكال، فهي- عندهم- (عنزة وإن طارت)، ويعجب ممن حصروا أنفسهم في دائرة التشكيك حاملين راية العداوة للاسلام. بعد ذلك يعرض المؤلف النصوص موضع الإشكال والتشكيك وهي ثلاثة عشر نصا، يوردها كاملة في مقدمة الكتاب ثم يناقش كلا منها على حدة، مبينا الوجه البلاغي الذي اقتضى الصورة النحوية، مستشهدا بأقوال علماء تفسير القرآن الكريم كالبيضاوي والقرطبي والألوسي وعلماء النحو كالقيسي وغيره.
كما يؤكد المؤلف أن كثرة الأوجه الإعرابية لكلمة ما مع صحة هذه الأوجه، تفتح مساحات من المعاني ،إذ لكل وجه إعرابي معنى ،وكما أن استقامة المعنى تقتضي صحة الإعراب ،كثرة أوجه الإعراب تميط عن أبعاد المعاني التي تختزنها الكلمة ذات الأوجه الإعرابية الكثيرة. وبعد مناقشة النصوص القرآنية يتحدث المؤلف عن مظاهر أخرى في إعجاز القرآن الكريم ،فيقف عند آية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ليقول: ولو قرأت القرآن لما وجدت غير هذا الموطن قد اجتمعت فيه (رحمة) مع (عالمين) وكأن القرآن يريد أن يؤكد هذه الحقيقة عبر تشريعاته وآياته كلها دون أن يتناولها في قالب لفظي إلا في موضع واحد ،وبإحصاء كلمة (رحمة) وكلمة (العالمين).
كذلك وبالوقوف على رقم السورة حسب ترتيب النزول، لا ترتيب المصحف، تجد ما يلي: تكررت كلمة الرحمة في القرآن (73 مرة) وكلمة العالمين (73 مرة) ورقم السورة التي اجتمعت فيها الكلمتان حسب ترتيب النزول (73 مرة) ،ألا ترى أنها ظاهرة تستدعي التأمل والاستنتاج البصير لدلالة هذه الموافقات التي كثرت في غير ما ذكرنا؟! وينتهي المؤلف إلى أن القرآن الكريم قد جمع إلى القصد في اللفظ الوفاء بحق المعنى، وبين خطاب العامة وخطاب الخاصة ،وإقناع العقل وإمتاع العاطفة.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول