سيجارتك تشتري الرصاصة التي تقتلك

ما رأيك أخي لو قال لك أحدهم ... أنك تدفع ثمن الرصاصة والبراميل المتفجر وراتب الشبيح الذي يقوم بضربك بهم ؟؟

 

وحتى أنك تمول المخبر الذي يعيش معك ويقوم بخطف الناس والغدر بهم؟؟؟

 

طبعا ستقول لي هذا غير معقول .. فهل يساهم الإنسان في قتل نفسه ؟؟

 

وهل يمكن لعاقل أن يدعم الشبيح الذي يقتله أو المخبر الذي يخطفه ؟؟

 

للأسف الشديد سأقول لك هذا هو الحاصل في سورية اليوم، وبالأخص في المناطق المحررة ... وإليك الأدلة والبراهين

 

عندما يتجول الإنسان اليوم في المناطق المحررة، يجد أن المادة الوحيدة التي لم تنقطع نهائيا خلال سنوات الثورة، والتي لم نسمع يوما بحدوث نقص فيها، أو أزمة في تأمينها: هي السجائر

 

ولو قمت بجولة بسيطة على الأسواق في كل المناطق صغيرها وكبيرها، فستجد كل أنواع السجائر متوفرة الأجنبية منها والمحلية، الغالية منها والرخيصة، بل إنك ستتعجب حين تجد أنواعا من السجائر لم تكن موجودة أيام سيطرة النظام.

 

وبسؤال بديهي من أين تأتي هذه السجائر ؟؟ ومن الذي يحرص على إيصالها لكل المناطق ؟؟ ومن المستفيد من هذه التجارة التي تدر الملايين ؟؟

 

والجواب واضح ويصل له المتتبع بسهولة، ليكتشف وراءه ملفا ضخما جدا ومعقدا عنوانه:  شبكات تهريب السجائر والاتجار بها ..

 

ولكن المفاجأة المؤلمة أن هذه التجارة بالذات، هي أكبر ممول لعصابات بشار الكيماوي وشبيحته ومخبريه ...

 

وإليكم القصة الكاملة:

 

تغرق المناطق المحررة وجنوب تركيا بكل مدنه، وحتى مخيمات اللاجئين، وفي كل يوم تطلع فيه الشمس، بآلاف علب السجائر، ومن كل الأصناف. بأسعار رخيصة نسبيا وفي متناول الجميع.

 

وبعد تتبع مصادر هذه السجائر تجد أنها تجارة ضخمة تبدأ من موانئ ومصانع بشار وشبيحته في الساحل السوري ... لتقوم شبكات منظمة بعد ذلك بشحنها يوميا من الساحل مرورا بكل المناطق المحررة وصولا للجنوب التركي.

 

ويشرف على هذه التجارة شبكات معقدة من المهربين تستغل فتح الحدود التركية للاجئين، وتستغل حواجز وممرات يشرف عليها بعض الكتائب الفاسدة لتمرير الشحنات المهربة، وهذه الشبكات هي غالبا نفس الشبكات التي أنشأها آل الأسد وأذنابهم ويعملون معها من عشرات السنين، ولكن بعد الثورة ربما تغيرت وجوه الباعة الصغار في المناطق المحررة ولكن الموردين الكبار هم أنفسهم.

 

وبعد إجراء تحليلات معمقة يصل المحلل لنتيجة أكيدة أن بعض هذه الشبكات تقوم بعمل مزدوج فهي أيضا شبكات التخابر والتجسس والخطف وتحديد مواقع الجيش الحر وتسريب أخبار الجبهات والأسلحة، وهذا بسبب مهم وهو ترابط المصالح مع المورد الأساسي، الذي هو يقينا شبيحة بشار وشبكات تهريبه.

 

ويحكي لي أحد الثوار عن صديقه الفقير الذي دخل عالم شبكات تهريب السجائر، ليصبح خلال مدة قصيرة يمتلك سيارة كبيرة، ويلبس أجمل الثياب، وطبعا يحمل أحدث الأسلحة وأقوى الذخائر لزوم العمل والوجاهة.

 

ولكن هذا البائع الصغير من المؤكد أن نصيبه بسيط جدا، بينما تكسب الشبكات الكبيرة والكتائب الفاسدة المتعاونة معها، مئات الملايين يوميا، وخصوصا من أرباح التهريب لتركيا، والتي تفرض حكومتها ضرائب كبيرة على السجائر مما يجعل التهريب من سورية أمرا مجزيا جدا، والعجيب أيضا أن المخيمات السورية في تركيا هي أيضا مستهلك كبير للسجائر المهربة.

 

وحتى نقنع الناس أكثر أننا فعلياً نمول من يقتلنا، تقول الإحصائيات الرسمية أن المدخنين السوريين ينفقون قرابة ( 600 مليون دولار) سنويا، وذكرت دراسة أجراها المركز السوري لأبحاث التدخين تفشي عادة التدخين بنسبة 60% بين الرجال و 23% بين النساء.

 

ولو قدرنا أن نصف الشعب السوري فقط يعيشون في المناطق المحررة، ما يعني أن 300 مليون دولار هو نصيبهم من النفقات على السجائر، ولو شكك أحد بهذا الرقم فسنقول له أن هذا المبلغ متحفظ ولا يشمل ما يتم تهريبه للسوق التركي، ويمر عبر مناطق يسيطر عليها الجيش الحر، وبالتالي من المؤكد أن الرقم يتجاوز 300 مليون دولار بكثير، ما يعني أن عشرات ملايين الدولارات شهريا، تدخل لجيوب شبيحة بشار الأسد ولكن عبر تجارة تمر في مناطق الثوار وفي سموم يشربها الناس والجيش الحر.

 

ولن نتحدث اليوم عن المخدرات بأنواعها والتي بدأت أيضا تظهر في المناطق المحررة والتي تقوم نفس الشبكات بتهريبها، وخصوصا حبوب التخدير ما يسمى (حب الوش) والذي بدأ ينتشر بسرعة ويتوفر بأسعار معقولة لتسهيل أن يدمن الناس عليه، وبالتالي تتوسع تجارته.

 

والنقطة الخطيرة جدا أن شبكات التجسس والعمالة قد تتخفى بداخل شبكات التهريب والتوزيع، والكثير من الهيئات الشرعية والكتائب يسكت عن هذا الوضع إما لأنهم جاهلون بخطورة هذه الثغرة الكبيرة، أو أنهم مستفيدون لحسابهم الخاص من مكاسب هذه التجارة المحرمة، ويجدون أنه ليس من المعيب أن يشاركوا بها تحت زعم الحاجة والفقر، رغم أن هذا غير مُبرر نهائيا لارتكاب هذه الموبقة.

 

ولا ننكر أن هناك بعض الجهود من الهيئات الشرعية في أكثر من محافظة لمكافحة تهريب السجائر، ولكن من المؤكد أيضا أنهم فشلوا بشكل كبير بهذه المهمة، بدليل توفر السجائر في كل مكان وبأرخص الأسعار نسبيا، وهذا مرده لأن مصالح كثير من الفاسدين تحول دون معالجة هذه المشكلة.

 

وأقترح لمعالجة هذه المعضلة الكبيرة، معالجة الأمر من شقين:

 

أولا: إطلاق حملة #سيجارتك_تشتري_الرصاصة_التي_تقتلك

 

 وذلك لحث الناس على التقليل من التدخين بل تركه نهائيا، ولنوضح لهم أنك عندما تدخن فأنت تمول الرصاصة التي تقتل أطفالك، وتدفع راتب المخبر الذي يخونك، والشبيح الذي يخطفك... وإطلاق حملات توعية مركزة حول مضار استهلاك السجائر، والتي لا يشك عاقل أنها تهلك المال والصحة وأن فيها حرمة شرعية (سواء اتفقنا مع هذا الرأي الشرعي أو اختلفنا معه بأنها كراهة فقط)

 

ثانيا: يجب أن يرافق هذه الحملة عمل ميداني من الهيئات الشرعية والثوار والمجاهدين لإقرار آليات لمنع التهريب، ومراقبة الشبكات التي تهرب وتتاجر بالسجائر وذلك لتفكيكها واكتشاف المخبرين والفاسدين الذين يقفون وراءها.

 

ولابد في النهاية من منع التدخين بشكل متدرج (مبدئيا في الأماكن العامة وفي المؤسسات الثورية والمقرات العسكرية) صيانة للنفس والمال الشحيح أصلا، ولإيقاف التمويل عن الشبيحة الذين يغريهم بشار المجرم بالاستمرار بأعمالهم لقاء ما يوفره لهم من أرباح خيالية لقاء العمل ضمن شبكات التهريب.

 

وإني أناشد اليوم الأخوة العاملين في كل مجالات الثورة السعي لإنضاج هذه الحملة والمساهمة فيها بكل الوسائل (القنوات الإعلامية، وعبر الفتاوى الشرعية والدعوة والخطابة في المساجد، وفي ميادين التعليم بكل أشكاله) واستخدام الانترنت والمطبوعات وما يتوفر من وسائل إبداعية، والتركيز خصوصا على كتائب الجيش الحر والهيئات الثورية باعتبارهم قدوة لكل الناس.

 

وقد اطلعت على جهود قامت بها كتائب في الجيش الحر والمجاهدين في هذا الصدد، حيث خصصت جائزة نقدية مجزية لكل مجند يقوم بالإقلاع عن التدخين، أو منعت منتسبيها كليا من التدخين.

 

ويتوفر اليوم مئات الوسائل التي تساعد على ترك التدخين، وآلاف المواقع في الشبكة متخصصة في هذا الأمر، ويمكن الاستفادة من تجارب آلاف الجمعيات المتخصصة في هذا الشأن، وهناك دول نجحت في خفض مستوى التدخين لنسب متدنية جدا.

 

ويا لها من فرصة كبيرة للناس في هذه المحنة التي يمر بها الشعب السوري لكي يخرجوا من أسر هذه العادة السيئة، لنكون فعلا قد بدأنا إحدى أهم ثوراتنا الضرورية ضد أسوء عاداتنا القديمة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين