سلسلة (أخي المجاهد) الرسالة الثامنة ... رسالة إلى قائد السرية

د. بلال مصطفى علوان
 
الحمد لله, والصّلاة والسلام على سيد النّبيين القائل: "اسمعوا وأطيعوا وإن أُمّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدُ حَبَشِيُّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةُ".(البخاري)
قائد المجاهدين, وإمام الغر الميامين محمّد صلى الله عليه وسلّم قاد أكثر الغزوات الإسلامية، فكان بذلك يُدرِّب قادته تدريباً عملياً على المعارك والصمود فيها، وقد وصفه علي بن أبى طالب في ذلك المجال بقوله: "إنا كنا إذا اشتَدَّ البأس واحمرَّتْ الحدقة اتقَّينا برسول الله، فما يكون أحد أقرب من العدو منه"(أحمد باسناد صحيح).
 
أخواني: قائد السرية, قائد الكتيبة, قائد المجموعة ... أيها الأباة الذين رفضوا المذلة وأبوا إلا أن يشربوا بالعلقم كأس الكرامة
لقد شرفكم مولاكم وخالقكم... اصطفاكم واختاركم... هيأكم وارتضاكم ... لتكونوا جنده
أبعث لكم بوصايا من إمامكم, من قرة عينكم, من حبيبكم, محمّد صلّى الله عليه وسلّم:
 
1- تقوى الله, وحماية نفسك وجندك من الوقوع في المعاصي صغيرها وكبيرها، والحرص على فعل الطاعات من الفرائض، والنوافل. عن بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرَّ أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا" (صحيح مسلم).
2- تحرى العدل في التعامل مع جندك, فمن أقام العدل بين جنوده ملكهم، وتألف قلوبهم، محمّد صلّى الله عليه وسلّم في أرض المعركة يقف أمام جندي من جنوده لَيَقتص الجندي منه ... أما الجندي فهو ِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ، لما اسْتَنْتِل من الصف، غمزه النبي صلى الله عليه وسلم غمزة خفيفة في بَطْنِهِ - بالسهم الذي لا نصل له - وقال: "اسْتَوِ يَا سَوّادُ!"... قال: يا رسول الله, أوجعتني! وقد بعثك الله بالحقّ والعدل؛ فَأَقِدْنِي! فكشف رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: "اسْتَقِدْ".. فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ! فَقَالَ النبي- صلى الله عليه وسلم-: "مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟"، قال: "حضر ما ترى، فَأَرَدْتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك"! فدعا له رسول الله بخير (سيرة ابن هشام).
3- شاور أهل الرأي من جندك. قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران: 159]. ففي المشورة تطييبا لقلوبهم واستفادة من خبراتهم في القتال. قال عبد الله بن رواحة – في موقف من مواقف بدر - : " يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك". (الطبراني في الكبير) فأنصت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أيها القائد ، لن تعدم في جنودك من فاقك في العلم، وراقك في الفهم، فامتلِكْ عقول الجميع - في عقلك -، بالشورى، فأنت بغير الشورى عقل واحد، وبالشورى عقول! وإذا احترمتَ عقلاً ملكته، وإذا وقّرتَ خبيرًا ظفرته، وإذا عرفتَ شرفَ الحاذقِ كان سهمًا في كنانتك، وخنجرًا في جعبتك .
4- ادع لجندكلما عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ في بدر وَرَجَعَ إلَى مقر القيادة، إذا به يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ, وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ... اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ... اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإسلام لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ!!". (مسلم). فالقائد كالأب يحنو على أولاده، يرفع يديه ضارعًا، خاشعًا، داعيًا، بأدعية خاشعة تستنزل لجند الله الرحمات والبركات, يستغفر لهم، يدعو لهم، القائد روح بين جنوده تحييهم، ورباط وثيق يجمعهم، وهو القلب وهم أعضائه.
5- بُثَّ روح الثقة في جندك, وانشر روح التفائل في جيشك، صُبَّ جوامع الكلم الطيب في القلوب، ذكّرهم بشارة الله لعباده، وجنّة الله لأوليائه، والمجاهدون أعظم الأولياء، رفقاء الرسل والأنبياء , فإذا بالجنود – على أثر تثبيت قائدهم - ؛ قد ثبت الله أقدامهم، وربط الله على قلوبهم، وسدد الله رميتهم، وأثقل بأسهم، وجعل الدائرة له فهاهو نبينا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ في بدر يقول: "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ! وَاَللّهِ لَكَأَنّي الآن أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ!!".(السهيلي).
تذكر أخي القائد – ثبّتك الله - الجميع منصهر في بوتقة العطاء والتضحية، لا همّ لهم سوى خدمة هذا الدّين، سواء كانوا في موقع القيادة أو الجندية.
أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم, وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم, وأن لا يجعل حظنا منها السمعة والصيت.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين