دلالات وتناقضات لجوء النظام السوري للفتاوى الدينية

 

علي الرشيد 
أثارت الفتوى التي أصدرها ما يسمى بمجلس الإفتاء في سوريا بالدعوة للجهاد إلى جانب قوات النظام السوري ، من أجل الوقوف ضد كل من يستهدف سوريا ويقف ضدها ، باعتباره فرض عين ليس على السوريين فحسب، وإنما على كل الدول العربية والإسلامية.. أثارت علامات الاستفهام لجهة الأهداف التي تقف وراءها ، والمغالطات التي تضمنتها ، وتوقيتها ، والآثار المترتبة عليها، وما كشفت عنه من تناقضات مع مواقف سابقة للنظام السوري
 
 

لقد كانت الفتوى مفاجئة في بلد كسوريا، لأن دور مؤسسة الإفتاء ينحصر في الإجابة عن الاسئلة الشرعية فقط ، بعيدا عن أي اهتمام بالجانب السياسي، أو ما يتصل بموضوعات ممارسة الحكم وإدارة شؤون البلاد ، والسبب أن سوريا تعدّ نفسها دولة علمانية ، لا يتدخل الدين وفق منطقها ووفق أصحاب هذا التوجه في السياسة وبالشأن العام للدولة وتسيير الأمور فيها من جهة، وقد فاخر بشار الأسد بأن نظامه من آخر معاقل العلمانية في المنطقة محذرا العالم من مغبة سقوطه ، ولأن النبرة القومية والاشتراكية هي التي تطبع الخطاب السياسي والإعلامي للنظام السوري ، حتى لا نكاد نعثر على مفردة دينية أو إسلامية فيه من جهة ثانية، وقد كان ملاحظاً كيف أخطأ المذيع في قراءة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة غير مرة، في نص خبر الفتوى، على اعتبار أن الأمر ليس معتادا بالنسبة له ولأمثاله في المؤسسة الإعلامية الرسمية ، ولأن تاريخ النظام على مدار أكثر من أربعة عقود حافلٌ بتجفيف منابع الدين والالتزام في المؤسسات التربوية والثقافية، ومحاربة ما يعتبرها جماعات إسلامية أصولية سواء السياسية منها أو ما يصفها بالمتشددة ، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين من جهة ثالثة.

وفي حين كان النظام ينتقد الخطاب الجهادي للجماعات التي تقاتله كجبهة النصرة وغيرها وينعتها بالإرهاب، ويشنع على خطاب بعض المشايخ والعلماء العرب لاسيما من منطقة الخليج ويتهمهم بالتحريض والعنف لأنهم يجرّمون ما يقوم به ، أو يحثون على نصرة الشعب السوري وتقديم العون له ، فإن من المفارقات الغريبة أن يستخدم هذا النظام نفس الأسلوب والمفردات ليحث الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية على الوقوف بجانبه، والدفاع عمّن يستهدفه، وكأنه بصدور هذه الفتوى تتحول تهمة الإرهاب لتصبح أقرب للنظام نفسه

ومما أثار الغرابة أن الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية لم يسمعوا بمثل هذه الفتوى الدينية إلا عندما استُهدف النظام نفسه ، ولكننا لم نسمع بفتوى مماثلة تدعو للنفير العام من أجل تحرير الجولان ـ وهو أرض سورية ـ والذي احتل قبل أكثر من 45 عاما ، فضلا عن أننا لم نسمع فتوى مماثلة لتحرير فلسطين والأراضي المحتلة .

لكنّ السؤال : لمّ صدرت هذه الفتوى، وتحديدا في هذا التوقيت أي بعد عامين من الثورة السورية ، وما الآثار السلبية التي ستترتب عليها ؟

الأمر على صلة بوضع النظام الحرج ، وخصوصا ما يتعلق بعجز قوته العسكرية، وقوة من يدعمونه من الحلفاء الروس والإيرانيين والمليشيات التي تدور في فلكهم عن مواجهة الثورة، التي تحقق مزيدا من الانتصارات يوما بعد يوم، بفضل الله، رغم قلة العتاد والإمكانات، وهي علامة أكيدة على قرب احتضاره. ولعل الأمر مرتبط بما يلي:

ـ احتياجات جيش النظام المتزايدة من الجنود والمخزون البشري بسبب طول أمد المعركة ضد الثوار، وكثرة الإنشقاقات عنه ، والتخلف عن الالتحاق بالعسكرية الإلزامية ، وكثرة القتلى في صفوفه ، لاسيما في الآونة الأخيرة، وبدء تضجر الطائفة العلوية التي استخدم النظام أبناءها وقودا لحربه ، ورفضها سحب المتخلفين من أبنائها عن العسكرية والاحتياط صراحة ، ومطالبة بشار الأسد بالاعتماد على أبناء الطائفة السنية في مواجهة الثورة . وهناك إحصاءات تقدر عدد القتلى من أبناء الطائفة العلوية بعشرين ألف ضابط وجندي ورجل أمن. والتبرير من أجل التوسع في مليشيات اللجان الشعبية الموالية له في الأحياء لا سيما بدمشق، ومليشيات أخرى شبه عسكرية تسمى جيش الدفاع الوطني، وتضم نساء، وقد ظهرت في حمص ، رغم أن هذه المليشيات اتُهمت من قبل مجلس حقوق الإنسان بجنيف مؤخرا بارتكاب جرائم قتل جماعي موثقة

ـ شرعنة مشاركة مزيد من قوات الحرس الثوري الإيراني وخصوصا فيلق القدس وعناصر حزب الله وغيرهم من المليشيات المؤيدة للنظام وإيران في العراق وغيرها ، ممن ليس لهم دخل أصلا بثورة السوريين ضد حاكمهم المستبد ، وتوقع زيادة عددهم ، مع حاجة النظام لمن يسانده ، واحتمالات نشوب اقتتال طائفي ، خصوصا مع عدم تمكن بشار الأسد من السيطرة على دمشق ، واللجوء لخيار الدولة العلوية، بحيث تكون عاصمتها حمص ، بمباركة إيرانية

سيكون لهذه الفتوى انعكاسات سلبية كثيرة من أهمها أنها ستقود إلى قتل المزيد من سفك دماء المدنيين والثوار السوريين ، مع إصرار النظام السوري على مواصلة خطه الدموي وارتكاب المجازر البشعة ، وتبدو أقرب للاعتراف الضمني بتبني النظام السوري للإرهاب ، لأنها تحث على قتل السوريين المشاركين بالثورة في بلادهم، كما تزكي نار حرب طائفية محتملة، تكون الخشية منها أكبر مع قرب سقوط النظام، وفقده للسيطرة على زمام الأمور في البلاد.

نظام مجرم في كل مواقفه ، سواء عند لبسه للبوس العلمانية ، أو ارتدائه لثوب الفتوى الدينية، والشعب السوري والعالم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لرحيله والتخلص من شروره.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين